للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله كان على هذا المذهب. قال مصعبٌ: وطلبه بعض الولاة بسبب ذلك، فتغيَّب عند داود بن الحصين إلى أن مات، وقال خالد بن أبي عمران المصري: دخل علينا عكرمة إفريقية وقت الموسم، فقال: ودِدْتُ أني اليوم بالموسم بيدي حربةٌ أطعَنُ بها يميناً وشِمالاً.

وقال أبو سعيد بن يونس في " تاريخ الغرباء ": إلى وقتنا هذا قومٌ على مذهب الإباضية، يعرفون بالصُّفريَّة، يزعمون أنهم أخذوا ذلك عن عكرمة.

وقال يحيى بن بُكَيْرٍ: قدم عكرمةُ مصرَ، وترك بها داراً. وخرج إلى المغرب، فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا.

وروى الحاكم في " تاريخ نيسابور " عن يزيد النحوي، قال: كنت قاعداً عند عكرمة، فأقبل مقاتل بن حيَّان وأخوه، فقال مقاتلٌ: يا أبا عبد الله، ما تقول في نبيذ الجرِّ؟ فقال عكرمة: هو حرامٌ، قال: فما تقول فيمن شربه؟ قال أقول: إنَّ كلَّ شَربةٍ منه كفرٌ. قال يزيد: والله لا أدعه. قال فوثب مغضباً، قال: فلقيته بعد ذلك في مفازَة فرد، فسلمت عليه، وقلت له: كيف أنت، قال: بخيرٍ ما لم أرك!

وقال الدراوردي: توفِّي عكرمة وكُثَيِّرُ عزةَ في يومٍ واحدٍ، فعجب الناس لموتهما، واختلاف رأيهما: عكرمة يُظَنُّ به رأيُ الخوارج، يكَفّرُ بالذنب، وكُثَيِّرٌ شيعيٌّ يؤمن بالرَّجعة إلى الدنيا.

ذكر ذلك كله الحافظ ابن حجر (١). وفيه أنه كان داعيةً إلى مذهب الصُّفريَّة، وإماماً فيه، فكيف قبلتِ المعتزلة حديثه الذي يُقَوِّي بدعته، وهم أبعد الناس عن قبول الثقات الذين لم يُقْدَحْ فيهم فيما هو من القطعيَّات عندهم، بل قول البغدادية منهم برد أحاديث الثقات في الفروع الظنية. وقول شيخ الاعتزال أبي علي الجُبَّائيِّ بأنه لا يقبل الثقة الواحد في الحديث، كالشهادة، ولهم قواعد


(١) في " مقدمة الفتح " ص ٤٢٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>