للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكى هذا عنه ابن مَتَّوَيه في " تذكرته " وهو من أئمة الاعتزال تلميذٌ لقاضي القضاة عبد الجبَّار، وحكاه عنه الشهرستاني في " نهايته ".

فالذي ألجأ أبا عليٍّ الجُبَّائيَّ إلى ذلك مع غوصه على دقائق الكلام الحذر من مخالفة إجماع المسلمين على أن القرآن المتلُوَّ بالألسنة، المكتوب في المصاحف كلام الله تعالى، فحمله خوفه مخالفة السمع الدالِّ على أن الإجماع حُجَّة على هذا القول المعلوم بطلانه عقلاً وسمعاً، كما يَعرِف ذلك أدنى المميِّزين مع جلالة أبي علي في علم النظر، ما ذلك إلاَّ لخوف الابتداع وخوف مخالفة الإجماع، فلم تنتقصه المعتزلة، ولا ذمَّته بسقوط المنزلة.

وكذلك أئمة الحديث والأثر، وكثيرٌ من أهل الكلام والنظر، لما سمعوا ظواهر القرآن والسنن تقضي بأن الله تعالى خالق كل شيءٍ، وأن إرادته ومشيئته أساس كل شيء، حتى قال لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤]، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: ١٢٧]، وذمَّ الذين أقسموا لَيَصْرِمُنَّ جنتهم (١) مصبحين ولا يَستثنون، وأمر أكمل عباده بالاعتراف بذلك في قوله: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} [الأعراف: ١٨٨]، مع ما قرروه في كتبهم الكلامية من الأنظار العقلية، قضوا بذلك.

على أن هذه الفرقة التي جعلوا فعل العبد وخلق الرب شيئاً واحداً، ولم يفرقوا بينهما، هم أقل فِرَق أهل النظر من أهل السنة، كما أَوضحه إن شاء الله تعالى.

بل لا يكاد يتحقَّقُ القائل به من أئمة النظر منهم، ولكنه أكثر ما يلزم من إطلاق عباراتهم، وقد يقول به ولا يبحث عن دقائق الكلام لجلائه، فإن صحة المقدور بين قادرين مما يعقله الكافَّة، ولا يعجز عن فهمه أحدٌ من العامة (٢).


(١) في (ش): ليصرمنّها.
(٢) قوله: " أحد من العامة " سقط من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>