للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصح منهم الإيمان اختياراً، وإنما يصحُّ منهم مكرهين، وهذا غيرُ مُرادٍ بالاتفاق بينهم وبين أهل السنة.

والمعلوم أن الآية مسوقةٌ لنفي تأثير كل من يعتقد أنه يُؤَثِّر في الإيمان من دون مشيئة الله، وسواءٌ ذُكِرَ (١) ذلك المؤثِّر في هذه الآية أو لم يذكر، فليس لقائلٍ أن يقول: إنهم لو سمعوا النفخ في الصُّور، ورأَوُا السماوات تمور، وشاهدوا بعثرة القبور، آمنوا، وإن شاء الله أن لا يؤمنوا، وذلك لأن هذه الأمور المسكوت عنها في الآية هي في حكم الأمور المذكورة في الآية. وإنما نظير هذه الآية في استواء المنطوق والمفهوم {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣] في إفادة تحريم جميع أنواع الأذى، وإن لم يكن تأفيفاً ولا نهراً.

وقد ألطف الزمخشري (٢) العبارة، وأغرب (٣) الحيلة في تأويلها، فحاول أن يجعل هذه الآيات في (٤) الآيات التي اقترحها المشركون، فتأوَّل قوله فيها: {وحَشَرْنا عليهم كُلَّ شَيءٍ قُبُلاً} بقولهم: {أوْ تَأْتيَ بالله والملائكةِ قَبيلاً} [الإسراء: ٩٢].

وكيف يصح له هذا وتنزيل الملائكة هو الذي صدر الله عزَّ وجلَّ به الآية، وخصَّصهم بذكر الإنزال، لكونهم في السماء، ثم عطف عليهم غيرهم بلفظ الحشر الذي هو بهم أليقُ من الإنزال، ثم جاء فيما عطفه عليهم بأدلِّ (٥) الأشياء على المغايرة، وهو كل شيء الذي لا يصلح (٦) أسماء للملائكة على جهة الحقيقة مطلقاً، ولا على جهة المجاز في هذا الموضع، والمجاز يحتاج إلى مساعدة القرينة، ولا نصَّ مع عدمها، فكيف مع دِلالة (٧) القرينة على بُطلانه؟


(١) في (ش): ذكروا، وليس بشيء.
(٢) ٢/ ٤٥.
(٣) في (ش): فأغرب.
(٤) في (ش): هي.
(٥) تحرفت في (ش) إلى: بأول.
(٦) في (ش): يصح.
(٧) من قوله: " الموضع " إلى هنا ساقط من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>