للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبالجملة: فلو سُلِّمَ للزمخشري ما حاوله من تنزيل الآية على ما اقترحوه من الآيات، لم يسلم لهم أن ما اقترحوه من الآيات غير مسقطٍ للاختيار في العادة لولا مشيئة الله تعالى، ولا له على ذلك دليلٌ، ولا يمنع من (١) ذلك مع بقاء مفهوم الآية في تعظيم تأثير إرادة الله تعالى، فإنها أعظم أثراً من قيام الساعة، فإن قيام الساعة لو أراد الله ما أثَّرَ في إيمان أحد.

بل قد ورد النصُّ الذي لا يمكن تأويله بذلك حيث قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا} [الأنعام: ٢٨] وحيث قالوا لأعضائهم حين أنطقها الله بالشهادة عليهم فيما جحدوا من الحق يومئذٍ: {لِمَ شَهِدْتُم علينا} [فصلت: ٢١] وتأويل هذه النصوص ممن تأوَّلها من أعظم الجنايات على الكتاب العزيز.

وقد صح الامتحان بنوع من التكليف يوم القيامة كما يأتي في مسألة الأطفال، ووقعت المخالفة من بعض المكلفين (٢) يومئذ، وأجمع أهل السنة على صحة ذلك كما يأتي مقرَّراً إن شاء الله تعالى.

وليت شعري ما المانع أن يقترح الكفار ما يسقط معه الاختيار في العادة، بل لم يزل دأبُهم اقتراح مثل ذلك، وقد نص الله سبحانه على ذلك في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: ٢١ - ٢٢].

فهذه آية واحدة مما ذكر الله سبحانه من تلك الآيات صارت ملجئة لهم إلى الإيمان بحيث لا ينفعهم عندها الإيمان، ولكنها لا تلجئهم إليه إلاَّ بإرادة الله سبحانه.


(١) في (ش): مع.
(٢) تحرف في (ش) إلى: المتكلفين.

<<  <  ج: ص:  >  >>