الصريح مقدمٌ على مثل هذا وفاقاً. فبطل هذا الإسناد، وإنما استند محمد بن إشكاب إلى مثل هذا.
الوجه الثالث: إن هذا القدر لا يجرح به في الرواية، لأن المحققين لا يقبلون الجرح المطلق غير المفسر، فكيف بما لم يثبت أنه جرحٌ، وذلك لأن خِدْمَةَ الملوك نوعان: محرّمٌ قطعاً، وهو خدمتهم في الحرام، ومباحٌ، وهو خدمتهم فيما ليس بحرامٍ، فإن ذهب عالم إلى تحريم ذلك، فبدليلٍ ظني لا يمنع الخلاف كما قدمنا في المعاونة سواء، ولكن هذه مرتبة نقص شرف تَبَيَّن أن الزهري كان أرفع منها، وإنما ذكرتها للتنقل في مراتب الجواب من الرتبة الدنيا إلى ما يليها.
الوجه الرابع: سلمنا أنه محرَّمٌ قطعاً، لكن لا يجرح به عندنا إلاَّ إذا وقع من غير تأويل، ولم يذكر في " الميزان " أنه قُدِحَ فيه بشيءٍ من هذه الأشياء إلا التدليس، وذلك لما ذكرته من هذه الأشياء مسائل ظنية لا يقدح بها، ولكن بعض أهل العلم قد يتجنب من خالط الملوك نُفرةً من الدنيا ومن قاربها، لا جرحاً محققاً.
وإنما ذكرت هذه الوجوه لما كثر التَّعنُّت، ولما تعرض السيد لذكرها في جوابه.
الوجه الخامس: أنَّا نبيِّنُ ما يدل على أن الزهري، وإن خالط الملوك، فما كان في هذه المنزلة، بل كان عالماً، موحِّداً، عدلياً، ثبتاً، قوَّالاً بالحق، غير مداهنٍ للملوك في أمر الدين، والذي يدل على ذلك وجوه:
الوجه الأول: ما ذكره السيد الإمام الناطق بالحق (١) أبو طالب عليه السلام فإنه ذكر في كتابه " الأمالي " في ترجمة زيد بن علي عليه السلام أن الزُّهريَّ دخل على هشامٍ، بعد قتل زيد بن عليٍّ عليه السلام، فقال له هشام: إني ما أُراني