للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا أن نرحل (١) عن مثلك، قال: ولِمَ، أنا اغتصبتُك على نفسي؟ أنت اغتصبتني على نفسي، فخلِّ عني، قال: لا، ولكنك استدنت ألفي ألفٍ. قال: قد علمت وأبوك [قبلك] أني ما استدنتها عليك، ولا على أبيك. فقال هشام: لا تَهِيجُوا الشيخ. فلما خرج، أمر له هشام بألفي ألفٍ (٢)، فأُخبر بذلك، فقال: الحمد لله الذي هذا من عنده.

روى ذلك إمام علم الرجال، أبو الحجاج المزي في " تهذيبه "، والذهبي في " تذهيبه " وغيره (٣) وإسنادها صحيحٌ متصلٌ، وكلُّ رجال الإسناد أشهر من أن يعرف بحالهم إلاَّ عمَّ الشافعي، وهو محمد بن العباس بن شافع، وثَّقه أبو عبد الله الحاكم ابن البيع المحدث الشيعي، ذكره في " مناقب الشافعي " رحمه الله، وهي دالةٌ على ترفُّع الزهري من مراتب الأجناد إلى ربوة بعيدة، والدلالة فيها من وجوه:

أولها: ما قدمناه من الصدع بمُرِّ الحق بين يدي هشام بعد العلم بكراهته، لذلك فإن هشاماً قد كان (٤) كذَّبَ سليمان بن يسارٍ، والزهري يسمع، وادَّعى أن الذي تولَّى كِبْرَهُ علي عليه السلام، ثم التفت إليه مُنتصراً به على سليمان بن يسارٍ، طالباً منه أن يساعده، على ما ذكر (٥)، فصدع بالحق، ولم يُبالِ به، ولو كان ليِّن العريكة في المُداهنة شيئاً قليلاً، لكان يسَعُه أن يقول: الله أعلم، ولا يصرِّحُ بما يقتضي تجهيل هشامٍ وتكذيبه في حضرته، فأين هذا المقام من مقام الأجناد؟ هذا والله مما ينتظم في سلك مقامات الصالحين مع الملوك.

وثانيها: أن هشاماً لما كذَّب سليمان بن يسارٍ، سكت هيبةً لهشامٍ، ولم


(١) كذا الأصول، وفي " السير " وغيره: " نحمل ".
(٢) في " السير "، و" تاريخ دمشق ": " ألف ألف ".
(٣) لم أجد هذا الخبر في " تهذيب الكمال " وهو في " تاريخ دمشق " ص ١٦٢، و" السير " ٥/ ٣٣٩ - ٣٤٠، و" تاريخ الإسلام " ص ٢٤٥ - ٢٤٦.
(٤) " كان " ساقطة من (ش).
(٥) في (ش): " ذكره ".

<<  <  ج: ص:  >  >>