هذا بالنظر إلى شدة جرأته، وعدمِ التفاته إلى عقيدته، وإلا فهو أصلحُ اعتقاداً وأقومُ مذهباً، وتحقيقُ هذا أن وجود الداعي من الفريقين لا يكفي في الفعلِ إلا مع عدم الصارِف الراجح، وكذلك العكسُ، هذا هو العلةُ في وجود الطاعة والمعصية مِنَ المرجىء والوعيدي مَعَ القولِ بالاختيار والإجبار، فإِن الفريقين متَفقون على وجودِ الفعل عند رُجحان الدواعي، وإنما اختلفوا في كونِ ذلك الوجود على جهةِ الاختيار والاستمرار، أم على جهة الاضطرار والإجبار، فإذا كان كذلك، فَمِنْ أينَ غَلَب على الظن أن رغبتهم في الشهوات العاجلة أعظمُ مِن رغبتهم في الدرجات الرفيعة عند الله ولا سيما في الصدق الذي لا مَشَقَّةَ فيه.
فإن قلتَ: وما الدواعي التي يمْكِنُ أن تدعو المرجئة إلى فعل الطاعة، وترك المعصية.
قلت: أمورٌ كثيرة.
أولها: أنهم يعتقِدُونَ أن الواجباتِ مما يُحِبُّه اللهُ، ويأمر به، ويستحق العقابَ بتركه (١) والثوابَ بفعله، والمحرماتُ مما يكرهه اللهُ، وينهي عنه، ويستحق العقابَ بفعله.
وثانيها: أنَّه يجوزُ أنهم يجوزون العقابَ في الدنيا على المعاصي بالأمراض، وضيق الأرزاق، وسائر البلاوي.
وثالثها: ما ذكرناه مِن خوفهم أن تكونَ المعاصي سبباً للوقوع في