للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عملاً} [الملك: ٢] وذلك يقتضي أن المقصود الأول من خلق جميع المكلفين العصاة والمطيعين لو علموا أنه لا يخلق من يستحق العقاب كانت مفسدةً عظيمةً لبطلان الخوف والرجاء كما أن الله لو بسط الرزق لكانت مفسدة، ولو جعل الأنبياء ملائكة، لكانت مفسدةً. وقد مر تحقيق ذلك في الدواعي، وبعضه في الإرادة في أحد الوجوه في تفسير قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] وهو مذهب البغدادية.

ويعضده الوجه الآخر الذي مر في تفسيره أيضاً، وهو إنه يوجد من مكلَّفٍ حتى الكفار نوعٌ من العبادة ولو كَرْهاً في النشأة الأولى والمعرفة لله ولو في الآخرة على ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: ٨٣] وفي قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢].

ولذلك فسَّر ابن عباسٍ {إلاَّ لِيَعْبُدونِ}: ليعرفوني (١).

وروي عن داود أنه قال: يا رب لِمَ خلقت الخلق؟ " قال: " كنتُ كنزاً مخفيّاً فخَلَقْتُ الخلقَ لأُعرَفَ " (٢).


(١) في (أ) و (ف): " يعرفون ". وقد تقدم ص ...
(٢) ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في " أحاديث القصاص " ص ٦٩ - ٧٠، وقال: ليس هذا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يعرف له إسناد صحيح ولا ضعيف، وقال السخاوي في " المقاصد " ص ٣٢٧: وتبعه الزركشي وشيخُنا، يعني ابن حجر، وقال السيوطي في " الدرر المنتثرة " ص ١٤٧: لا أصل له.
وقال الآلوسي في " روح المعاني " ٢٧/ ٢١ - ٢٢: ذكره سعد الدين سعيد الفرغاني في " منتهى المدارك "، وذكره غيره كالشيخ الأكبر في الباب المئة والثمانية والتسعين من " الفتوحات ". بلفظ آخر، وتعقبه الحفاظ فقال ابن تيمية ... ومن يرويه من الصوفية معترف =

<<  <  ج: ص:  >  >>