للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا الله تعالى، وهذا يستلزمُ بالقطع امتناع الخوض في ذلك حتى يعلم التأويل، وهذا أصح ما يجاب به في هذه المسألة العظمى ولله الحمدُ.

وقد نص الله سبحانه على أنه يعلم من ذلك ما لا يعلمه سواه، فقال سبحانه للملائكة حين قالوا: {أتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفسِدُ فيها ويَسفِكُ الدِّماءَ} [البقرة: ٣٠]: {إنِّي أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: ٣٠].

وهذا كافٍ لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيدٌ، فلا أعلم من الملائكة ولا أقرب إلى الله سبحانه.

على أنه سبحانه قد ذكر في كتابه الكريم بعض حكمته في ذلك.

فمن ذلك: التعليل بالابتلاء، لقوله تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} إلى قوله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة:٤٧ - ٤٨].

وقال تعالى: {لِيَبلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَملاً} [الملك: ٢].

ومعنى الابتلاء: هو فعل سببٍ لظهور المعلوم عند الله لتعلق الأحكام بظهوره، لا فعل سببٍ ليحصل معه العلم به.

فإن قيل: هذا واضح، ولكن الابتلاء من المتشابه المحتاج إلى التعليل أيضاً.

فالجوابُ من وجهين:

أحدهما: أن الله تعالى -وإن حذف المفعول الثاني من مفعولي الابتلاء المضمَّن معنى العلم- فإنه لم يبينه في قوله تعالى: {لِيَبلُوكُم أيُّكُم أحْسَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>