التعليقُ، ثم جعل دِلالة القدر على الإرادة، والقول دلالة تضمُّنٍ دون العلم والقدرة والمقدور، وجعل دلالته على هذه الثلاثة مطابقةً، وفيه نَظَرٌ، لأن دلالة المطابقة هي الوضعية اللغوية كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق دلالة التضمُّن، كدلالة الإنسان على النطق وحده، ودلالة الالتزام (١) على ما يستلزمه، مثل حاجته إلى الأكل والشرب.
وأقول والله الموفق: إن القدر تعلُّق أمر متقدم من صفات الله تعالى كعلمه، أو من فعلِه ككتابته بأمرٍ متأخِّرٍ صادر عن فاعله بسبب اختياره وتمكينه، وصدور اختيار أسبابه عن الحكيم القادر المُقَدِّر.
وسواءٌ كانت تلك الأسباب أسباب القدر المؤثرة فيه كالقدرة أو غير المؤثرة كالدواعي تعلُّقاً يَرْبِطُ الممكن بالواجب ربطاً يستلزم فرض بُطلانه المحال مع بقاء إمكانه باعتبار الجهتين.
وهذا على جهة التقريب الرسمي دون التحديد الحقيقي كما يعرف ذلك أهل هذا الشأن، ولذلك لم ألتزم فيه شروطهم.
وقولنا:" من صفات الله كعلمه أو من فعله كالكتابة والتيسير "، وإنما قيل:" من فاعله " ليدخل الرب تعالى، وإنما قيل:" بسبب صدور أسبابه عن القادر الحكيم المقدِّر سبحانه " ليخرج على المخلوقين، فإنه واجب المطابقة، ولا يسمى قدراً في اللغة لعدم خلقهم لأسباب المقدر، وإلا لزم أن يكون علمهم بالفقه قدراً.
وإنما قيل:" الحكيمُ " احترازاً من قول من يقول: بنفي الحكمة في سبق الأقدار، فإنها لم تكن سدىً، بل لا بُدَّ أن تكون مشتملةً على الغايات الحميدة.