للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاشر: يلزم أن يكون مفهومُ الآية أن عذابهم في الآخرة جائزٌ، لا واجب، والمفهوم أخصُّ من عمومات الوعيد، أو معارض، فيبطل كونها قاطعة.

فإن قلت: ما منع الشيخ محموداً من القول بأن آخر (١) الآية هو الذي يختصُّ بأحكام الدنيا، ليخرج بذلك من هذه الإشكالات؟

قلت: منعه من ذلك أمورٌ أربعةٌ، منها: ثلاثةٌ قد تقدمت، وهي الثالث والرابع والخامس كما تقدم قريباً.

ومنها -وهو الحجة الواضحة- أن ذلك يؤدي إلى عدم الفرق بين الشرك وما هو دونه من الكبائر، وهو عنادٌ كما مضى، وذلك لأن الله لا يغفر ما دونه منها عند الخصم في الآخرة، ويغفر الشِّرْكَ في الدنيا لمن بشاء بالنَّصِّ، والوفاق قبل خلاف المخالف، أي: يؤخِّرُ عقوبته كما قرره الخصم، وكلامه مبسوطٌ في " التمهيد ". يتَّضح منه ما ذكرته عنه، والحمد لله.

فهذه جملة صالحة في جمهور ما يحتج به الوعيدية، والإرشاد في كيفية الجواب عليهم، أو المعارضة والتَّقصِّي لكل ما يمكن أن يحتجوا به، أو يُوردوه من الأسئلة. مما يُمِلُّ ولا ينفع البليدَ إذ قد يَرِدُ عليه ما لا يعرفه، ولو لم يكن إلا (٢) مجرد المنع من الحجة الواضحة، أو تغيير العبارات، فإن البليد إذا غيرت عليه العبارة، ظن أن الحجة قد تغيَّرت، فأمَّا الفطينُ، فأقل من هذا ينفعه، لأنه يتنبه بالشيء على أمثاله، ويفتح له في كل باب أبواباً، وما أوتي أحدٌ خيراً من الفهم، والمواهب الرَّبَّانيَّة فيه لا تقف على حدٍّ، فمن لم يفهم، يسألُ الله أن يفتح عليه باب الفَهْمِ، ويداومُ المسألة والتضرع في أوقات الإجابة والرِّقَّة، فإنه سبحانه كما قال: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: ١٢٣]، وكما قال: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: ٣١].


(١) في (ف): " أجر "، وهو تصحيف.
(٢) " إلا " ساقطة من (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>