للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الذي ألجأ المعتزلة إلى إثبات الذوات في العدم استبعاد أن يتعلق العلم بغير شيءٍ حقيقي في الأزل، وقد اضطرهم ذلك إلى أبعد منه وهو تعليقهم القدرة بغير شيء حقيقي فيما لم يزل (١)، لأن الأشياء الحقيقية تثبت عندهم في الأزل لتعلق العلم بها، فلَيتَهم قَنِعوا في متعلق العلم بنحو ما قَنِعوا به في متعلق القدرة، وعكسوا مذهبهم في المسألتين كما فعل أهل السنة، بل كما فعل أصحابهم أصحاب أبي الحسين (٢) الذين سَلِموا من هاتين الشَّناعَتَيْن.

وفي هذا من الرِّكَّة والدقة ما ترى، وإنما قدمته لك قبل مذاهب الأشعرية حتى لا تستنكر ما ترى في بعضها من الدقة أو الركة، فإن أركها لا يزيد في الضعف على هذا، ولا يلزم منه أفحش مما يلزم من هذا.

فطوبى لأهل الحديث والأثر، وهنيئاً لهم السلامة ولذة الخشوع والتلاوة والمناجاة، واتباع الرسل (٣) عليهم الصلاة والسلام، ولولا محبتهم ومحبة الذَّبِّ عنهم (٤)، وعن علمهم الذي ورَّثَه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما رَضِيتُ أن أرسم من هذا لفظة، ولا أُفرِّط لأجله في لحظة، ولولا مشاركة الأشعرية لهم (٥) في رواية الحديث والتفسير، وقدح المعترض في السنة النبوية بروايتها عمن يخالف المعتزلة، وتعرُّضُه (٦) لتكفير الرواة وتحريم الرواية عنهم، ما احتجت إلى تحقيق مذاهبهم، وتلخيص مقاصدهم.

وإنما قصدتُ إيضاحها ليظهر عدم ما ادَّعاه من أنهم تعمدوا جحد المعلوم


(١) من قوله: " وقد اضطرهم " إلى هنا، سقط من (ش).
(٢) هو محمد بن علي البصري المعتزلي، المتوفى سنة (٤٣٦ هـ)، صاحب كتاب " المعتمد " في الأصول.
(٣) في (أ) و (ف): الرسول، والمثبت من (ش) وهو الصواب.
(٤) في (ش): عليهم، وهو خطأ.
(٥) في (أ) و (ش) و (ف): ولولا شاركهم الأشعرية في ...
(٦) في (أ) و (ش) و (ف): تعرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>