للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التواريخ، لم تكد تجد أحداً من العلماء إلاَّ وله علقةٌ بالسلاطين، أو مخالطةٌ لهم، أو وِفادة عليهم، أو قبول لعطاياهم، فمنهم المقل، ومنهم (١) المكثر، ولو كانت المخالطة في مرتبة التحريم الذي يأثم فاعله ويُجرَحُ، لم يكن بين الإقلال منها (٢) والإكثار فرقٌ واضحٌ، ولا كان بين الزهري وغيره من الذين خالطوا مخالطة (٣) يسيرة فرقٌ واضح أيضاً، فإن من فعل المحرَّم ولو مرةً واحدة، فقد توجه عليه الجرح والقدح، وشُرْبُ جرعةٍ مِنَ الخمر في الجرح، كالإدمان على شربها، وإن كانت عقوبة المدمن لشُربها أكثر.

فإذا عرفت هذا، فلا بد من الكلام على فوائد قصدت بها وجه الله تعالى في أمرين:

أحدهما: في الذب عن جماعة من العلماء والفُضلاء قد خالطوا المُلوك، إما لغرضٍ دينيٍّ، أو لحاجةٍ دنيويةٍ، أو لتقيةٍ، أو لمصلحةٍ عامةٍ أو خاصةٍ، أو لمجموع هذه الأمور أو مجموع أمرين منها أو أكثر، ولم يرتكبوا في مخالطتهم محرَّماً، ولا كان منهم إلاَّ مجرد المخالطة، فيتوهَّم من لم يعرفِ الشريعة أنهم بمنزلة أهل المعاصي الصريحة، ويتساهل في استحلال غيبتهم وهتكِ حُرْمَتِهم.

وثانيهما: الذب عن العلوم المأخوذة عن هؤلاء، فإن كثيراً من علوم الشريعة -على تباين طبقاتها- (٤) مستندةٌ إلى من لم يسلم من شيءٍ من هذا القبيل.

على أن السيد أيَّده الله ذكر في تفسيره " تجريد الكشاف المزيد فيه النُّكت اللِّطاف " ما يدلُّ على أنه رَخوُ الاعتقاد، سلسُ القياد في هذه المسألة، مع ما يدل على ذلك، مِنْ أحواله وأفعاله وأقواله، وذلك أنه ذكر اختلاف المفسرين


(١) " منهم " ساقطة من (د) و (ش).
(٢) " منها " ساقطة من (ف).
(٣) في (ش): " في مدة يسيرة ".
(٤) في (ش): " صفاتها ".

<<  <  ج: ص:  >  >>