للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّه حديثٌ متَّفقٌ على صحَّته وشهرته في ذلك العصر، وإنَّه ما قدح فيه مِنَ القُدماء أحدٌ، بل قال الذَّهبي في ترجمة عمار مِنَ " النُّبلاء " (١): إنَّه حديثٌ متواتر، فأمَّا معاويَةُ، فتأوّله بتأويلِ باطلٍ أنَّ علياً وأصحابه هُمُ الَّذين قتلوه وجاءوا به حتى ألقَوهُ بين رماحنا، رواه أحمد في مسند عمرو بن العاص (٢)، وقد أجاب عبدُ الله بنُ عمرو بأنَّه يلزمُ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلُ عمِّه حَمْزَةَ، وشهداء بَدْرٍ وأحد، فَأَفْحَمَهُ (٣).

وأمَّا عمرو، فلم يتأوَّلْهُ، وفزِعَ فزعاً شديداً كما فَزِعَ عندَ موته (٤).

فمَن نظر إلى القرائن الخاصَّة المقوِّية لِعدم التَّأويل رجَّحها، وأقواها


(١) ١/ ٤٢١.
(٢) أخرجه أحمد ٤/ ١٩٩ من طريق عبد الرزاق، وهو في " مصنفه " (٢٠٤٢٧) عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال: لما قتل عمار، دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " تقتله الفئة الباغية " فقام عمرو بن العاص فزعاً يرجع حتى دخل على معاوية، فقال له معاوية: ما شأنك؟ قال: قُتل عمار، فقال معاوية. قد قُتل عمار، فماذا؟ قال عمرو: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " تقتله الفئة الباغية " فقال له معاوية: دحضت في بولك، أو نحنُ قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقوه بين رماحنا، أو قال: بين سيوفنا. قلت: وإسناده صحيح. وقوله: " دحضت في بولك " أي: زللت وزلقت.
وأخرج أحمد ٢/ ١٦٤ و٢٠٦، وابن سعد في " الطبقات " ٣/ ٢٥٣ من طريق يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب، حدثني أسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد العنبري قال: بينما نحن عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " تقتله الفئة الباغية "، قال: فقال معاوية: ألا تغني عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " أطعْ أباك حيّاً ولا تعصه " فأنا معكم ولست أقاتل. وإسناده صحيح. و" تغني ": من الإغناء، يريد ألاَّ تصرفه عنا وتكفه.
(٣) نقل المناوي في " فيض القدير " ٦/ ٣٦٦ عن القرطبي: أن الذي أجاب معاوية هو علي، وقال ابن دحية: وهذا من علي إلزام مفحم لا جواب عنه، ولا اعتراضَ عليه.
(٤) انظر " صحيح مسلم " (١٢١) كتاب الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله، وفيه يقول عمرو: ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>