للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول، بل حكم أهلُ الحديث بالتَّتبُّع التّام، والبحثِ الطويل، والنَّظرِ في الشَّواهد والتوابع والقرائن، وجمعِ الطرق أنَّ أهلَ العصرِ النَّبويِّ وتابعيهم وتابعي تابعيهم لم يكن فيهم من تَعَمَّد وَضْعَ الحديثِ زوراً إلى أيَّام بني العَبَّاس، وظهر ذلِكَ وظهر أهلُه، وقد نصَّ المنصورُ بالله عليه السَّلامُ على مثل كلامهم في أنَّه لا يُسألُ عن عدالة الثَّلاثَة القُرونِ الأُوَل، وأنَّ ذلك معلومٌ عندَ العلماء، بل صحَّت الأحاديثُ الكثيرةُ في ذلك بلفظ: " خَيْرُكُم القَرْنُ الَّذينَ بُعِثْتُ فيهِمْ، ثُم الذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الذين يَلُونهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكذِبُ مِنْ بَعْدُ " (١)، واعتضَدَ هذا بِخِبْرة أهلِ الحديث لذلك وتتبُّعِهم (٢) لِمَا صحت روايتهُ عَنْ أهلِ ذلك العصرِ محقِّهم ومبطِلِهم، والنظر فيما رَووْهُ وفي شواهده، وكُلُّ أهلِ فنٍّ أعرفُ بفنِّهم كما ذكرته فيما تقدَّم منْ هذا الكتاب.

ولهذه الأمورُ ترى كثيراً مِنْ أئمَّة العِترة وشيعتهم والسَّلَفِ يروون أحاديث هؤلاء كما يرويها أهلُ الحديث، منهم أبو عبد الرحمان النسائي في " سُننه " مع بغضه لمعاوية (٣)، وكلامه عليه، حتَّى قُتِلَ في دمشق بسبب كلامهِ عليه، ومع ذلِكَ روى عنه في " سننه " غيْرَ حديثٍ، وكذا


(١) تقدم تخريجه في ١/ ١٨٢ - ١٨٣ و٣٧٦ - ٣٧٧.
(٢) في (ب): وتبعتهم.
(٣) ليس ثمت نص عن النسائي يدل على بغضه لمعاوية، والذي أثر عنه أنَّه لما فارق مصر وخرج إلى دمشق، سئل بها عن معاوية بن أبي سفيان، وما روي من فضائله، فقال: ألا يرضى معاوية رأساً برأس حتى يفضّلَ ...
قال مؤرخ الشام الحافظ أبو القاسم بن عساكر: وهذه الحكاية لا تدُلُّ على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان، وإنما تدل على الكف بذكره بكل حال.
ثم روى ابن عساكر بإسناده عن أبي الحسن علي بن محمد القابسي، قال: سمعت أبا علي الحسن بن أبي هلال يقول: سئل أبو عبد الرحمن النسائي عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى =

<<  <  ج: ص:  >  >>