للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رُويَ عن أبي حنيفة قبولُ الفاسِقِ المتعمِّد إذا كان معروفاً بالصِّدق.

وقال الإمام المنصور بالله بذلِك في الشَّهادة، وهي أقوى مِنَ الرِّواية حيث لا يُوجَدُ العدولُ، وعلَّل ذلِك بأنَّ اعتبارَ العدول حيث لا يوجدون يُؤدِّي إلى ضَياع الأموالِ، والعدالةُ الكاملةُ إنَّما شُرِعتْ لحفظها، فيجبُ أن نعتبرَ ما كان أقربَ إلى حفظها الَّذي هُوَ المقصودُ الأوَّلُ، فاعتبر أهل الصدق واحتجَّ بقوله تعالى: {أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض} [المائدة: ١٠٦]. وهذا عارضٌ، القصدُ به التَّعريفُ بمذاهب أهل الرواية، وعُرفِهِم فيها، وأنَّهم قصدوا أن يُدَوِّنوا لأهلِ الإِسلام ما يقبلونه كلُّهم أو يقبلُه بعضُهم، وإن شذَّ، ولذلك روى المحدِّثون المراسيلَ في كتبٍ مفردَةٍ (١) لمن يقبلها، وإن كانوا لا يقبلونها، وروى من يقبل المراسيلَ مثل مالكٍ الأحاديثَ المسنَدَةَ بأسانيدها لمن يشترطُ الإسناد، ونحو ذلك.


= مولده بالبصرة سنة ١٦٣ هـ، ووفاته فيها سنة ٢٥٥ هـ.
قال الأزهري في مقدمة " تهذيب اللغة ": وممن تكلم في اللغات بما حضره لسانُه، وروى عن الثقات ما ليس من كلامهم الجاحظ، وكان أوتي بسطة في القول وبياناً عذباً في الخطاب، ومجالاً في الفنون، غير أن أهل العلم كذبوه، وعن الصدق دفعوه.
وقال ابن حزم في " الفصل ": كان أحد المجان الضلال، غلب عليه الهزل، ومع ذلك فإنا ما رأينا له في كتبه تعمد كذبة يوردها مثبتاً لها، وإن كان كثير الإيراد لكذب غيره.
وقال الإمام الذهبي: كفانا الجاحظُ المؤونة، فما روى من الحديث إلا النزر اليسير، ولا هو بمتهم في الحديث، بلى في النفس من حكاياته ولهجته، فربما جازف، وتلطخُه بغير بدعة أمرٌ واضح، ولكنه أخباري علامة، صاحب فنون، وأدب باهر، وذكاء بين، عفا الله عنه. مترجم في " السير " ١١/ ٥٢٦ - ٥٣٠.
(١) من ذلك كتاب " المراسيل " لأبي داود السجستاني صاحب " السنن "، وقد حققته ودفعته إلى الطبع، وسيصدر قريباً إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>