للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّ من قال: حدَّثني الثِّقة، ولم يسَمِّه أنَّه لا يقبل، لجواز أن يكون ذلِكَ الثِّقَةُ عنده مِمَّن لو صرَّح باسمه لخولِفَ في توثيقه (١)؛ لأنَّه صح وثبت أنَّ التَّوثيق مِمَّا يقع فيه الاختلافُ الكثير، والخصمُ مسلِّم أنَّ أئِمَّة الزَّيديَّة، والحنفيّة، والمالكية، وكثير مِن التَّابعين يروون الأحاديث المرسلة، ويقولون بوجوب قبولهم فيما أرسلوه، ولا شَكَّ أنَّ المرسِلَ على تسليم أنَّه لا يُرسِلُ إلاَّ ما صحَّ عنده إنَّما يبني (٢) صحَّة الحديث عنده على اجتهاده، وأنه لم يبين طريقَهُ في اجتهاده في تصحيح ذلِكَ الحديث المرسل، حتى يتمكّن المخالِفُ لَهُ مِنْ موافقته على بصيرة، أو مخالفته كذلك، فالاعتراض على مَنْ فعل ذلك مِنَ المُرْسِلِيْنَ، أَو مَنْ قَبِلَه منهم أصعبُ وألزمُ للخصم مِنَ الاعتراضِ على من بيَّن مستَنَدَهُ لمَنْ يقبله، ولمن لا يقبلُه، وأبعد مِنَ الرِّيبة ومِنْ كُلِّ وسيلة إليها، حَتَّى تركوا لذلك المراسيل، والمقاطيع، والتَّعاليق إلاَّ ما دلَّ الدَّليل على صِحَّته مِنْ ذلك، بل أوضحُ من هذا أنَّهم بيَّنُوا في كتب الرِّجال جميعَ ما صَحَّ مِنْ مناقم الشِّيعة على أولئك، وحكموا بصحَّة الصحيح منه، فانظر ذلك في " النبلاء " وغيره، وما غرَّك منْ أَوْضَح لك مستندَهُ، وأبدى لك صفحتَه، ولا ضرَّك مَنْ مكَّنك


(١) قال ابن الصلاح في " مقدمته " ص ١٢٠: لا يجزىء التعديل على الإبهام من غير تسمية المعدل، فإذا قال: حدثني الثقة أو نحو ذلك مقتصراً عليه لم يكتف به فيما ذكره الخطيب الحافظ، والصيرفي الفقيه وغيرهما خلافاً لمن اكتفي بذلك، وذلك لأنَّه قد يكونُ ثقةً عنده وغيرُه قد اطَّلَعَ على جَرْحِهِ بما هو جارحٌ عنده، أو بالإجماع، فيحتاج إلى أن يسميَه حتى يعرف، بل إضرابُهُ عن تسميته مريبٌ يوقعُ في القلوب فيه تَرَدُّداً.
فإن كان القائلُ لذلك عالماًً، أجزأ ذلك في حقِّ مَن يوافقُهُ في مذهَبِهِ على ما اختارَهُ بعضُ المحققين.
وذكر الخطيبُ الحافظُ أن العالم إذا قال: كل مَنْ رويتُ عنه، فهو ثقةٌ وإن لم أُسمِّه، ثم روَى عمَّن لم يسمِّه، فإنه يكون مزكياً له غيرُ أنا لا نعمل بتزكيته هذه، وهذا على ما قدَّمناه، والله أعلم. وانظر " توضيحَ الأفكار " ٢/ ١٦٧ - ١٧٢.
(٢) في (ب) و (ج): ينبني.

<<  <  ج: ص:  >  >>