للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسكتوا عليه على تسليم ما ادَّعاه أنَّها قد صحَّت قِصَّتُهُ.

فإنْ كانَ السيد رماه بالزنى معتقداً لجواز رمي الفَسَقَةِ بالزنى، فليس ذلك يجوزُ من غيرِ طريقٍ صحيحة، وقد عَظَّمَ اللهُ الرَّمي بهذه الفاحشة، ولم يجعل إلى ذلك سبيلاً إلاَّ بَعْدَ كمال نصاب (١) الشهادة، وقد كان الرجُلُ يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيُقِرُّ بالزنى، ويعترِفُ بالفاحشة فيتطلَّبُ (٢) النبي - صلى الله عليه وسلم - العُذْرَ (٣) له بَعْدَ الإقرارِ والاعتراف، ويقول: " لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، لَعَلَّك لَمَسْتَ " حتَّى لا يجدَ سبيلاً إلى الشَّكِّ، ولا طريقاً إلى الاحتمال، والسيدُ أيَّدَهُ اللهُ عكس ما يلزم من الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورمى المغيرة بالزِّنى من غير مَثْنَوِيَّةٍ (٤) ولا حكاية، مع أنَّ المغيرَة مُنْكرٌ لذلك، ومُدَّعٍ للبراءة منه، ولم يتمَّ نصابُ الشَّهادة، وكان القدح على المغيرة بمعاصيه الظَّاهرةِ مِنْ حربِ أميرِ المؤمنين أولى مِنَ الهُجوم على الأمورِ الخفيَّة المحتملة، وقد كان السَّيِّد منع مِنْ إمكان طريقٍ صحيحة إلى ثبوت ما يجب العملُ فيه بخبر الواحد، فليُخْبِرْنَا كيف تيسَّر له العلمُ بصحَّة هذه القصَّة في الجملة، ثم كيف عَلِمَ منها صِحَّةَ الزِّنى عَنِ المغيرة، وأحدُ الشهودِ الأربعة زيادُ بن أبيه، وهو فاسِقٌ تصريح.

فإن قلت: إنّه شهدَ قبل ذلك، فاقْبَلْ مِن المحدثين مثل هذا في الرِّواية عن مروان ونحوه. على أنَّ القصَّةَ في الجملة لم تَثْبُتْ بطريقٍ متَّفَقٍ


(١) ساقطة من (ش).
(٢) في (ب): فيطلب.
(٣) في (ش): بالعذر.
(٤) أي: من غير استثناء، يقال: حَلَفَ فلانٌ يَميناً ليسق فيها ثُنيا ولا ثُنوى ولا ثنية، ولا مثنوية، ولا استثناء، كلُّه واحدٌ، وأصلُ هذا كله من الثني، والكف، والرد، لأنَّ الحالفَ إذا قال: واللهِ لا أفعلُ كذا وكذا إلا أَنْ يشاء اللهُ غيره، فقد ردَّ ما قاله بمشيئة الله غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>