للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلتَ: كيف غَفَل أبو داود عن هذا؟

قلتُ: هذا فيه احتمالان:

الأول: أن يكون أُنْسِيَ هذه الأمورَ، وَغَفَلَ عنها على سبيلِ السَّهْوِ دونَ الجهل، وقد يسهو الإنسانُ عمّا يعلم، كما يسهو في صلاته، وغير ذلك، فَطَاحَ تقوِّيه بهذا الحديث، وراجت عليه كما يجري مثلُ ذلِكَ لكثيرٍ مِنْ كبار الحُفَّاظ، والنُّحاة، والمتكلِّمين في كثيرٍ مِنَ المسائل، وكم مِنْ إمامٍ في الفن يَغْلَطُ في مسألة واضحة، وقد (١) تقدمت الإشارة إلى ذلك في المسألة الأولى.

الاحتمال الثاني (٢): أن يكون رأي في الحديث أمرين:

أحدهما: أن قريشاً كانوا يأتون بصبيانهم إليه عليه السَّلامُ، فيمسح رؤوسهم (٣)، ويدعو لهم، وأنّه أُتِيَ بالوليد، فلم يمسَّهُ، ولم يَدْعُ له (٤) هكذا من غير ذكر مكّةَ، وهذا محتمل لا دلالة على بطلانه.

والأمر الثّاني: ما في الحديثِ أنَّ هذه القصة كانت يومَ الفتح، وهذا باطل، لكن ليس يلزمُ من القطع ببطلان هذا أنْ نُبْطلَ الحديثَ كلّه، فَمِن الجائز أن يكونَ الحديثُ مُمْكِنَ الصدق، ولكن الرَّاوي وَهِمَ في ذكر يوم الفتح، وليس الوهمُ في تاريخ القصة يدلُّ على بطلان القصة (٥) قطعاً؛ ألا ترى أنّ كثيراً مِنَ المؤرخين يَغْلَطُ في تاريخ القَصَصِ والوفياتِ، فيقول:


(١) " قد " ساقطة من (ش).
(٢) في (ش): " الثالث "، وكتب فوقها " الثاني " على الصواب.
(٣) في (ش): برؤوسهم.
(٤) في (ب): لأهله.
(٥) جملة " يدل على بطلان القصة " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>