وقد أبدع المؤلف -رحمه الله- في هذا المجال، وأتى فيه بما يعجز عنه غيره من أهل العلم إلا أنه رحمه الله قد ترخَّص في الأخذ ببعض معايير النقد، وهي مؤوفة، وغيرها أصح منها وأسد، ولا يضيره ذلك أو بعض من شأنه، فإنه رحمه الله من أهل الاجتهاد، وخطؤه مأجور عليه إن شاء الله، وما منا إلا مَنْ رَدَّ أو رُدَّ عليه إلا صاحب العظمة صلى الله عليه وسلم. فلا بد من تمحيص تلك المعايير، وإخضاعها للموازين العلمية الدقيقة التي وضعها الجهابذة النقاد من أهل العلم -وهي مقاييس شهد بصحتها الأعداء قبل الأصدقاء- ويحكم عليها بما يليق بحالها.
وخلاصة هذه الدراسة أن محمد بنَ إبراهيم الوزير قد نَهَجَ في طريق الحق والوضوح وبين:
أولاًً: أن كل ما لا مجالَ للعقل فيه من الغيبيات، فلا ينبغي أن يتكلف العقل الخوض فيه، أو اعتساف تأويله حتى يكونَ لديه إمكانية ذلك، لأنه إما أن يخطىء الحقيقة، أو يتيه عنها، وهو مع ذلك لا فائدة تُرجى من الجدال النظري البحت الذي لا صلة له بمجالات الحياة العملية.
إن موضوع علم الكلام ومتاهاته لا تُفِيدُ يقيناً، بل إنها تجعلهم يدورون فيما لا طائل تحته في بعد عن التفكير السليم.
ثانياً: وَقد عَمِلَ على توجيه الأمة إلى منطق القرآن، وإلى العمل الذي رسم منهجه القرآن، وبين للأمة أسبابَ الاختلاف، ومن أبرز النتائج، والمعالم التى وضحها ما يلي:
أ- لا تكفير ولا تفسيق باللازم، فقد كانوا يكفرون ويفسقون بعضَهم بعضاً بلازم كلامِهِم ولو لم يقولوه.