للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلُّ هؤلاءِ إلى أمثالٍ لهم كثيرٍ مِنْ حُفَّاطِ الحديثِ، وأئمةِ أهله حِفْظاً واعتقاداً. لكنَّ أحمدَ بن حَنبل بإجماعهم مع طائفةٍ من الشيعةِ وافرةٍ أحفظُهم (١) للحديثِ، وأوثَقُهم فيهِ.

فإنْ كنتَ تَظُنُّ أنَّ جميعُ رجالِ أسانيدِ " أمالي " السادةِ أبي طالبٍ، والمؤيَّد، وأحمدَ بنِ عيسى، وأبي عبد الله الدَّاعي، والمرشدِ بالله، ورجال تفسيرِ المعترضِ الذي جَمَعَ فيه عنْ كُلِّ مَنْ دَبَّ وَدَرَج، أوْثَقُ وأحفظُ من أحمدَ بنِ حنبلٍ، والشافعيِّ، والبُخاريِّ، وأنّهُ ليس فيها إِلاَّ مَنْ هُو أنبلُ مِنْ هؤلاءِ، وأحفظُ، وأعرفُ بالحديثِ، وأوثق فما أحقَّكَ بقولِ المتنبي (٢):

ومِثْلُك يُؤْتَى منْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ ... لِيُضْحِكَ رَبَّاتِ الحجال البَوَاكِيَا

وكيف وقد خَرَّجَ هؤلاء الأئمةُ حديثَ جماعةٍ مُتَكَلَّمٍ فيهم كما هو عادةُ حُفَّاظ الحديثِ، فقد خَرَّجَ مالكٌ حديثَ ابن أبي (٣) المُخَارق،


(١) في (أ) و (ش): " وأحفظهم "، وهو خطأ.
(٢) هو في " ديوانه " بشرح العُكبَرِي ٤/ ٢٩٦. وروايته فيه: " ربات الحِدَاد ". وهو آخر بيت من قصيدة يهجو بها كافوراً، مطلعها:
أُريك الرِّضَا لو أخْفَتِ النفسُ خافيا ... وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا
و" ربات الحجال ": لابسات الحداد، وهي ثياب سود تلبسها النساء ربات الحزن، وهن اللواتي مات أزواجهن.
(٣) أبي سقطت من (ب) واسمه عبدُ الكريم بن أبي المخارق. قال يحيى: ليس بشيء، وقال أحمد: قد ضربت على حديثه، هو شبه المتروك، وقال النسائي، والدارقطني: متروك، وقال أبو عمر بن عبد البر: بصري لا يختلفون في ضعفه، إلا أن منهم من يقبله في غير الأحكام خاصّة، ولا يحتج به، وكان مؤدب كتاب، حسنَ السَّمْت، غَرَّ مالكاً منه سَمتُه، ولم يكن من أهل بلده فيعرفه، كما غَرَّ الشافعيَّ من إبراهيم بن أبي يحيى حِذْقُه ونباهتُه، وهو أيضاًً مُجْمَع على ضعفه، ولم يخرج مالك عنه حكماً، بل ترغيباً وفضلاً.
وقال أبو الفتح اليعمري: لكن لم يخرج مالك عنه إلا الثابَت من غير طريقه: "إذا لم =

<<  <  ج: ص:  >  >>