للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاجزون عن معرفة كيفيَّة الأمور الإِلهية، قاصِرُونَ عن إدراكها، فَمنْ فعل ذلك، وجب على السُّلطانِ زجْرُه، ومنعُهُ، وضربه بالدِّرَّة، كما فعل عُمَرُ رضي الله عنه بِمَنْ يسألُ عَنِ الآياتِ المتشابهة (١)، وكما فَعلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإنكار على قوم رآهم يخوضُونَ في القدر، ويسألون عنه فقال: " أبِهذا أُمِرْتُمْ؟ " (٢) وقال عليه السَّلام: "إنَّمَا أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكمْ كَثْرَةُ


(١) أخرج الدارمي في " سننه " ١/ ٥٤، والآجري في " الشريعة " ص ٧٣، واللالكائي (١١٣٨) من طريقين عن حماد بن زيد، حدثنا يزيد بن حازم، عن سليمان بن يسار أن رجلاً من بني تميم يقال له: صبيغ بن عسل قَدِمَ المدينة وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فبعث إليه، وقد أَعَدَّ له عراجين النخل، فلمَّا دخل عليه جلس، فقال له عمر رضي الله عنه: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله صُبيغ، فقال عمر رضي الله عنه: وأنا عبد الله عمر، ثم أهوى إليه، فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجَّه، فجعل الدمُ يسيل على وجهه، فقال: حسبُك يا أميرَ المؤمنينَ، فقد واللهِ ذَهَبَ الذي كنتُ أَجِدُ في رأسي. وانظر " الإصابة " ٢/ ١٩١.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٨٥)، وأحمد ٢/ ١٧٨ من طريقين عن أبي معاوية، حدثنا داوود بن أبي هند، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: خرجَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم والناسُ يتكلمون في القَدَرِ، قال: وكأنما تَفَقَّأ في وجهه حَبُّ الرُّمَّان من الغضب، قال: فقال لهم: " ما لكم تَضْربون كتاب الله بعضَه ببعضٍ؟ بهذا هَلَك منْ كان قبلكُم " قال: فما غبَطْتُ نفسي بمجلس فيه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أشْهَدْه، بما غبَطتُ نفسي بذلك المجلس، أَنَّي لم أَشْهَدْه. وصحح إسنادَه البوصيريُّ في " الزوائد " ورقة ٧، والصواب أنَّه حسن. وانظر " شرح السنة " ١/ ٢٦٠ - ٢٦٢.
وأخرجه أحمد ٢/ ١٨١ عن أنس بن عياض، حدثنا أبو حازم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: لقد جلستُ أنا وأخي مجلساً ما أُحِبُّ أن لي به حُمْر النَّعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخةٌ من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلوس عند باب من أبوابه، فَكرِهْنا أن نُفرِّقَ بينَهم، فجلسنا حجرةً، إذْ ذكروا آية من القرآن، فتمارَوْا فيها، حتى ارتفعت أصواتُهم، فخرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُغْضباً قد احمَّر وجهُه، يرميهم بالتُّراب، ويقول: " مهلاً يا قوم، بهذا أُهْلِكت الأمَمُ من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكُتُب بعضَها ببعضٍ، إن القرآن لم ينزلْ يُكذِّب بعضُه بعضاً، بل يُصَدَّقُ بعضُه بعضاً، فما عَرَفْتُم منه، فاعملوا به، وما جهلتُم منه، فردُّوه إلى عالِمِه ".
وقوله: " حُمْر النَّعَمِ " النَّعَم -بفتح النون والعين-: الإبل، والحمرُ: جمع أحمر، والبعير الأحمر: الذي لونه مثل لون الزعفران إذا صُبغَ به الثوبُ، وقيل: بعير أحمر: إذا لم =

<<  <  ج: ص:  >  >>