لِمعرفة الحق مِنْ بَيْنِ أقوالِ المختلفينَ، ولا بِدْعَ في ذلِكَ، فإنه قدْ صَرَّحَ في مختصره أنَّه قَدْ أُشرِبَ قَلْبُه مَحَبَّة الحديثِ النبويِّ والعِلْم المُصطفوي، وأنه يرى الحَظَّ الأسنى في خدمة علومِه، وإحياءِ ما دَرَسَ مِن آثارِه، وأنَّ أولى ما يُشتَغَلُ به هو الذبُّ عنه، والمحاماةُ عليه والحَثُّ على اتباعِه، والدُّعاء إليه، لأنَّه عِلْمُ الصَّدْرِ الأوَّل، والَّذي عليه بَعْدَ القرآن المُعَوَّلُ، وهُو لِعلوم القُرآن أصْلٌ وأسَاسٌ، وهُو المُفَسِّرُ لِلقُرآنِ بشهادَة {لِتُبَيِّنَ للنَّاسِ}.
وإن القارىء لِهذا السِّفْرِ النَّفيسِ سيرى فيه:
١ - أصالَة المَنْهَجِ المُتَمثِّل في الكتَابِ والسُّنَّةِ، وفَهْمِهما على النَّحوِ الَّذي فَهمَهُ السَّلفُ الصَّالِحُ المَشْهُودُ لهم بالفضْل والخيريَّةِ على لِسَانِ خَيْرِ البَرِيَّةِ.
٢ - وُضُوحَ الفِكرة وجزالَةَ الأسلُوبِ والقُدْرَةَ على الإبَانَةِ، وقُوَّةَ العَارِضَةِ، والاستيفاءَ في الاستدلالِ بما لا يَخطُرُ على بالٍ، فإنَّه يَسْرُدُ في المسألةِ الواحِدَةِ من الوُجُوه ما يَبْهَرُ لُبِّ مُطالِعِه، ويُعَرِّفُه بِقِصَرِ باعِه بالنِّسبة لِعِلمِ هذا الإمَام، فهو يُوردُ كَلامَ شيخه في رسَالته التي اعْترضَ بها عليه بنَصِّهِ وفَصَّه، ثم يَنْسِفُه نسْفاً، بإيراد ما يُزَيِّفُه بهِ مِن الحُجَجِ الكثيرةِ، التي لا يجِدُ العالِمُ الكبِيرُ في قُوَّته استخراجَ البعضِ منها.
٣ - البصَرَ التَّامَّ بأقاويلِ أهلِ العلْم من الطَّوائف الإسلامية واختلافِهم في أمَهَات المسائِل، وعرض أدِلَّتهم بدِقة وأمانَةٍ، وترجيح ما اسْتَبَانَ لَهُ صَوابُه بالحجة والبُرهان، مشفوعة بلسانٍ عفٍّ، وأسلوبٍ مُهَذَّبٍ، وقَولٍ لَيِّنٍ.
٤ - الحافِظَةَ النَّادِرَةَ المُواتية التي تُمِدُّهُ بما يَشَاءُ مِن نصوصِ الكِتَاب والسُّنَّةِ