للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحيل (١) المعاني؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ من الخائضين حسنُ الرَّأي في نفسه، فقد يعتقد بعضُ النَّاسِ أنَّه مِنَ العارفين بذلك، وليس منهم، فيجبُ سَدُّ هذا الباب، كما اختاره مالكٌ وغَيْره في تحريمِ رواية الحديث بالمعنى (٢)، وإن لم يتعلَّق بصفاتِ الله تعالى، فكيفَ إذا تعلَّق بذلك؟

وثانيهما: سُوءُ الأدبِ على تسليم عدمِ تغيير المعنى، فقد تَحْرُمُ بعضُ العبارات، كما لا يُقال في الدعاء: يا ربَّ الكلابِ والخنازير على الإفراد، بل يَجِبُ التعظيمُ أو التَّعميمُ، فالتعظيم مثل: يا ربَّ العرش الكريم، والتَّعميم مثل: يا ربَّ كُلِّ شيء، كما ورد السَّمعُ بذلك، ولذلك ورد وصفه تعالى بأنَّ بيده الخيرَ وهُو على كُلِّ شيءٍ قدير، فدخل الشَّرُّ في التَّعميم، ولم يُذكر بالتَّخصيص، فيقال: بيدِهِ الشَّرُّ وهو على كل شيء قديرٌ (٣)، ولذلك قال العلماء: لا يُفْرَدُ (٤) الضَّارُّ عَنِ النَّافع في أسمائه الحسنى، لأنَّه تعالى نافع، بِعَيْنِ (٥) ما هو به ضار، مثالُه: مضرَّتُه


(١) في (ش): يحل.
(٢) في " الكفاية " للخطيب ص ١٨٨: قال مالك بن أنس: كُلُّ حديث للنبي - صلى الله عليه وسلم - يُؤدِّى على لفظه وعلى ما رُويَ، وما كان عن غيره، فلا بأس إذا أصابَ المعنى، وفيه: قال أشهب: سألتُ مالكاً عن الأحاديث يُقدَّمُ فيها ويؤخر، والمعنى واحد؟ فقال: أما ما كان منها من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإني أكره ذلك، وأكره أن يُزاد فيها، ويُنقص منها، وما كان من قول غيرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا أرى بذلك بأساً إذا كان المعنى واحداً.
وفيه: عن معن سألت مالكاً عن معنى الحديث، فقال: أما حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأدِّه كما سمعته، وأما غير ذلك، فلا بأس بالمعنى.
وقال السخاوي في " شرح الألفية " ٢/ ٢٤٣: وقيل: لا تجوز له الرواية بالمعنى مطلقاً، قاله طائفة من المحدثين، والفقهاء، والأصولين من الشافعية وغيرهم. قال القرطبي: وهو الصحيح من مذهب مالك.
(٣) من قوله: " فدخل الشر " إلى هنا ساقط من (ش).
(٤) " لا يفرد " ساقطة من (ج).
(٥) في (ش): " يعني "، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>