(٢) قال ابن أبي العز شارح الطحاوية ص ٣٩ - ٤٠: فتأمَّلْ هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز الظاهر، فإن الإله الحَقَّ لا بُدَّ أن يكون خالقاً فاعلاً، يوصل إلى عابده النفع، ويدفع عنه الضُّرَّ، فلو كان معه سبحانه إلهٌ آخر يشركُه في ملكه، لكان له خلق وفعل، وحينئذ فلا يرضى تلك الشركة، بل إن قَدَرَ على قهرِ ذلك الشريك، وتفرُّده بالمُلك، والإلهية دونَه، فَعَل، وإن لم يَقدر على ذلك، انفرد بخلقه، وذهب بذلك الخلق، كما ينفرد ملوكُ الدنيا بعضهم عن بعض بممالكه إذا لم يقدر المنفردُ منهم على قهرِ الآخر والعلو عليه، فلا بُدَّ من أحد ثلاثة أمور: إما أن يذهَبَ كلُّ إله بخلقِهِ وسلطانِهِ. وإما أن يعلوَ بعضُهُم على بعضٍ. واما أن يكونوا تحت قهرِ ملكٍ واحد يتصرف فيهم كيف يشاء، ولا يتصرفون فيه، بل يكون وحدَه هو الإله، وهم العبيد المربوبون المقهورون من كل وجهٍ. وانتظامُ أمير العالم كُله، وإحكامُ أمره، من أدلِّ دليل على أن مدبِّره إله واحد، وملك واحد، وربٌّ واحد، لا إله للخلقِ غيرُه، ولا ربَّ لهم سواه، كما قد دَلَّ دليلُ التمانع على أن خالق العالَمِ واحدٌ، لا ربَّ غيره، فلا إله سواه، فذاك تمانع في الفعل والإيجاد، وهذا تمانع في العبادة والإلهية، فكما يستحيلُ أن يكون للعالم ربَّان خالقان متكافئان، كذلك يستحيل أن يكون لهم إلهان معبودان. فالعلم بأن وجود العالم عن صانعين متماثلين ممتنع لذاته، مستقرٌ في الفِطَر، معلوم بصريح العقل بُطلانه، فكذا تبْطل إلهيةُ اثنين. فالآية الكريمة موافقة لما ثَبَتَ واستقرَّ في الفِطَر من توحيد الربوبية، دالة مثبتة ملزمة لتوحيد الإلهية.