للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الدليل الذي تُعوِّل عليه المعتزلة فيما كان من جنس مقدور (١) بعض المخلوقين من المعجزات، كتحريك الجبال عندهم، فإنه من مقدور الملائكة والجن، فهو أن حكمة الله تعالى توجبُ منعهم من فعل ذلك تصديقاً للكاذبين، وقد نازعهم الرازي في إيجاب ذلك على تقدير تسليم قاعدة التحسين العقلي، وقال: إن المنع مما يُوهِمُ غير الصَّواب لا يجب على الله، ولو كان يجب عليه، لقَبُحَ إنزال المتشابه، والتمكين من السحر، وزعم أنَّه لا جواب لهم، وأنه لا بُدَّ لهم من الرجوع إلى مذهب أهل السُّنَّة في أن مستند العلم في هذه الأشياء هو (٢) العلوم العادية، لا سوى، ومن ثَمَّ ألزم المعتزلة خاصة أن يكون القرآن من كلام الجن، والحق أنه لا يلزمهم، لما ذكرناه عنهم من الأجوبة، لا سيما الاحتجاج بما فيه من علم الغيب.

وأما احتجاجُهم بوُجُوبِ المنع من ذلك على الله، ففيه مباحثُ، مع أنه يشهد له قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: ٤٤ - ٤٧]. ولكن (٣) يَرِدُ عليه أن الله لم يقُل: إن ذلك واجبٌ عليه (٤)، ويمكن أن يفعل من ذلك سبحانه ما لا (٥) يجب عليه، فليس جميع أفعاله سبحانه واجبة، مع أنه سبحانه لم يفعل ذلك مع كُلِّ كذَّابٍ من المُدَّعين للنبوَّة، إمَّا لأنه لا يجب، وإمّا لأنه لم تظهر عليهم معجزاتٌ


(١) " مقدور " ساقطة من (ب).
(٢) في (ش): هي.
(٣) في (ش): ولكنه.
(٤) ساقطة من (ب).
(٥) في (ش): فلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>