للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الله المنعُ منه، وليس بجيِّدٍ لوضوحِ هذا الجواب، وعدمِ الوفاقِ على وجوب ما ذكره (١).

فإذا تقرَّر صحةُ الاحتجاج عقلاً بإعجاز القرآن على ثُبوت الرَّبِّ سبحانه، أو بغير القرآن من سائر المعجزات، وعلى عِلمِهِ بقُبح الكذب، وقبح تصديق الكاذب، واستغنائه عن ذلك، جاز الاستدلالُ بالسَّمع بعد ذلك على سائر العقائد حتى على (٢) كونه سبحانه غنيّاً عن كل شيءٍ على الإطلاق، فإنه لو (٣) لم يتقرر بإعجاز القرآن إلا غناهُ سبحانه عن الكذب، لا سوى، بدليل قدرته على كل شيءٍ من غير واسطة الكذب، مع علمه بقُبحه، فيجب الجزمُ بصدقه، وصدق من صدَّقهُ، ويشهدُ لذلك ما عُلِمَ من أديان الأنبياء من تقرير المسلمين على الإسلام بعد ظهور المعجِزِ، وفي الاستدلال بالمعجزات السَّلامة مِنَ النَّزاع في الحدوث، وفي الطبع، لأن شرط المعجز أن لا يكون وقوعُه سابقاً لدعوى النبوة، ولا موافقاً للعادة، وكثيراً ما يجعل الله المُعْجِزَ من جنس ما يعرفه المعاصرون لصاحب النبوة، ليعلموا أنه متميِّزٌ عن السحر، وعن مَقدورات العباد، مثل تَلَقُّفِ عصا موسى لما جاءت به السَّحرةُ، لمَّا كان السحرُ صنعة أهل ذلك العصر، وإحياء عيسى عليه السلام للموتى، لمّا كان الطِّبُّ صنعة أهل عصره، وإتيان محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن العظيم، لمّا كانت الفصاحةُ صنعة (٤) أهل زمانه. ومتى عجز أهلُ العصر، وتواتَرَ عجزُهُم، عُلِمَ من بعدهم الإعجازُ بالتواتر، وإن لم يكن من أهل الصنعة، كالعَجَمي، يعلم إعجازَ


(١) من قوله: " وأما الجاحظ " إلى هنا ساقط من (ب).
(٢) في (أ) بدل " حتى على ": " لا ".
(٣) "لو" ساقطة من (ب).
(٤) في (ش): صنعة الفصاحة، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>