للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رأيتُ بعض الباطنية تمسك بهذا بعينه (١)، وهذا ما لا يعجز عنه أحد ولولا علوم الحديث، والسير، والتواريخ، لاختلط حقُّ ذلك بباطله.

وليس يلزم أن لا يكون في المحدثين أذكى من هذا الذي كُذِبَتْ عليه هذه الحكاية، فالمحدثون يتفاضلون كما أن الصحابة يتفاضلون (٢)، بل قد فاضَلَ الله سبحانه بين الأنبياء عليهم السلام قال سبحانه: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: ٢٥٣]، وقال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: ٧٩]، وقال (٣) موسى في أخيه عليهما السلام: {هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} [القصص: ٣٤]، وانظر إلى ما حَكَى الله سبحانه في سورة هود وغيرها من مجادلات الأنبياء للكفار ومراتبها في الوضوح، وانظر هل يَعْجِزُ محدثٌ عن مثلها، بل عن نقلها بلفظها، وهل يقنع الملحدون بذلك، هيهات إن هم إلاَّ كالأنعام بل هم أضلُّ أولئك هم الغافلون، بل لم ينفع فيهم (٤) مع ذلك علمُ الكلام، وتحريرُ البراهين.

وما أحسن كلام الغزاليِّ حيثُ قال: إن الله لمَّا عَلِمَ أنَّ في الناسِ مَنْ لا ينفعُه الكتابُ الذي أنزله (٥) الله هُدى للناس، أنزلَ مَعَ الكتاب الحديد فيه بأسٌ شديد لعلمِه أنه لا يُخرِجُ المِراءَ (٦) من أدمغة أهل اللَّجاج إلاَّ الحديدُ، أو كما قال (٧).


(١) في (ش): بهذه الفتنة.
(٢) في (ش): متفاضلون.
(٣) تحرف في (د) إلى: وقالوا.
(٤) في (ش): ينفعهم.
(٥) في (ش): أنزل.
(٦) تحرفت في (ب) إلى: البراء.
(٧) انظر " القسطاس المستقيم " ص ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>