للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كونه لا يُحاط به وإن رُئي (١)، كما أنه لا يُحاط به، وإن عُلمَ، فكما أنه إذا عُلِمَ لا يحاط به علماً، فكذلك إذا رُئيَ لا يُحاطُ به رؤيةً، فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحاً وصفه كمال.

وإذا تأملت، وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتاً هو مما لم يَصِفِ (٢) الله به نفسه، فالذين لا يصفونه إلاَّ بالسُّلوب، لم يُثبتوا في الحقيقة إلهاً محموداً، بل ولا موجوداً، وكذلك من شاركهم في بعض ذلك كالذين قالوا: إنَّه لا يتكلمُ و (٣) لا يرى، أو ليس فوق العالم، أو لم يستو على العرش، ويقولون: ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا مباينٍ للعالم، ولا محايثٍ (٤) له إذ هذه الصفات يمكن أن يوصَفَ بها المعدوم، وليست هي مُستلزمةً صفة ثبوت.

ولهذا قيل لمن ادَّعى ذلك في الخالق: ميِّز لنا بين هذا الرب الذي تُثبتُه، وبين المعدوم.

وكذلك كونه لا يتكلم ليس فيه صفةُ مدحٍ ولا كمال، بل هذه الصفات فيها تشبيهٌ له بالمنقوصات أو المعدومات، فهذه الصفات منها ما لا يتَّصفُ به إلاَّ المعدوم، ومنها ما لا يتصف به إلاَّ الجماد أو الناقصُ، فمن قال: لا هو مباينٌ للعالم ولا مداخلٌ له، فهو بمنزلة من قال: لا هو قائمٌ بنفسِهِ ولا بغيره، ولا قديمٌ ولا مُحْدَثٌ، ولا متقدمٌ على العالم ولا مقارنٌ له، ومن قال: إنَّهُ ليس بحيٍّ ولا سميع، ولا بصيرٍ، ولا


(١) " وإن رئي " ساقط من (ش).
(٢) في (ش): يوصف.
(٣) في " التدمرية ": أو.
(٤) في (ش): مجانب.

<<  <  ج: ص:  >  >>