للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكبير، ووصيف، وأنا واقفٌ إذ ضحك، فأرمَّ (١) القوم، فقال: ألاَ تسألوني مِنْ ما ضَحِكتُ؟! إنِّي ذات يومٍ واقفٌ على رأسِ الواثق، وقد قَعَدَ للخاصة، ثم دَخَلَ هنا، ورمتُ الدخول فَمُنِعْتُه ووقفت حيث ذاك الخادمُ واقفٌ، وعنده ابن أبي دُوَاد، وابنُ الزيات، وإسحاقُ بن إبراهيم. فقال الواثق: لقد فكرت فيما دعوت إليه الناس من (٢) أن القرآن مخلوقٌ، وسرعةِ إجابة من أجابنا، وشدة خلاف من خالفنا مع الضرب والسيف، فوجدتُ من أجابنا رَغِبَ فيما في أيدينا، ووجدتُ (٣) من خالفنا معه دينٌ وَوَرَعٌ، فدخل قلبي من ذلك أمرٌ وشكٌّ حتى هممتُ بترك ذلك. فقال ابن أبي دُوَاد: الله الله يا أمير المؤمنين! إن تُميتَ سُنَّةً قد أحييتها، وأن تُبْطِلَ ديناً قد أقمته. ثم أطرقوا، وخاف ابن أبي دُوَاد، فقال: والله يا أمير المؤمنين، إن هذا القول الذي تدعو الناس إليه لهو الدين الذي ارتضاه الله لأنبيائه ورسله، وبعث به نبيَّه، ولكنَّ الناسَ عَمُوا عن قبوله. قال الواثق: فَبَاهِلُوني (٤) على ذلك. فقال أحمد: ضربَهُ الله بالفالج إن لم يكُن ما يقُولُ حقاً، وقال ابن الزيات: وهو فَسَمَّرَ الله يديه (٥) بمسامير في الدنيا قبل الآخرة إن لم يكن ما يقول أمير المؤمنين حقاً بأن القرآن مخلوق. وقال إسحاق بن إبراهيم: وهو فأنتن اللهُ ريحَه في الدنيا إنْ لم يكن ما يقولُ حقاً، وقال نجاح: وهو فقَتَلَه اللهُ في أضيق محبسٍ، وقال إيتاخ: وهو فَغَرَّقَهُ الله، وقال الواثق: وهو فأحرق الله بدنه بالنار إن لم يكن ما يقول حقاً من أن القرآن مخلوقٌ، فأضحكُ أنه لم


(١) أي: سكتوا.
(٢) في (د): في.
(٣) " وجدت " ساقطة من (ج).
(٤) يقال: باهَل بعضُهم بعضاً، وتبهلوا، وتباهلوا، أي: تلاعنوا.
(٥) في " السير ": بدنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>