للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبارةٌ عمَّا ليس قبلهُ شيءٌ، وأنَّ الباء قبل السين في قوله: بسم الله، فلا يكون السِّين المتأخِّرُ عن الباء قديماً، فنزِّه عن الالتفات إليه قلبك. انتهى.

وقد بالغ الذهبي في قُوَّة هذا مع مبالغته في النهي عن الكلام، لكن ليس من نهى عن علم الكلام، فقد نهى عن فِطَرِ العقول، كما قدمتُ في عقيدة أهل السنة، وإنما كرهوا الخوض فيما لا يُعلمُ، كما روى البيهقي في " الأسماء والصفات " (١) في هذه المسألة، عن الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرَّازي، أنه أُخْبِرَ بما جرى بنيسابور بين (٢) ابن خُزيمة وأصحابه، فقال: ما له والكلام، إنما الأولى بنا وبه أن لا نتكلم فيما لم (٣) نتعلَّمْهُ.

وكذا روى البيهقي (٤)، عن ابن خزيمة: أنه خرج يوماً، فقال لمنصورٍ الصَّيدلاني: ما صنعتك؟ قال: عطَّارٌ، قال: أتحسن (٥) صنعة الأساكفة؟ قال: لا، قال: أتحسن (٥) صنعة النَّجَّارين؟ قال: لا، فقال: إذا كان العطَّارُ لا يحسن غير ما هو فيه، فما تُنكِرون على فقيهٍ، راوي حديثٍ أنه لا يحسن الكلام. انتهى.

قلت: لا نَكارة عليه في عدم حِذْقِ الجدليين، ولكن عليه أن يتأدب بقوله تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علمٌ} [الإسراء: ٣٦]، ويصنع كما صنع الإمام أحمد يوم المحنة، فإن المتكلمين كانوا إذا راجعوه بعلمهم، قال: هذا شيءٌ لا أعرفه، ولا أدري ما هو، وإذا راجعوه بشيءٍ من كتاب الله تعالى، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم خاضَ معهم خوض العارفين، فكذلك فليكن السَّنِّيُّ.


(١) ص ٢٦٩.
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) في الأصول " لا "، والمثبت من " الأسماء والصفات ".
(٤) تقدم في ص ١٥١ من هذا الجزء.
(٥) في (ب)، " والأسماء والصفات ": تحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>