للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتعجب أن يكون في الوجود عاقلٌ تسمَحُ نفسه بمثل هذه الاعتقادات، ويلزمُهم أن يُجَوِّزوا فيما شاهدوه من الأجسام والأعراض أن تكون كلها معدومة، لأن الوجود غيرُ مدرَكٍ عندهم، وإلاَّ لزمَ أن يرى الله تعالى لوجوده (١)، بل إنما يتناوله الإدراك للصفة المقتضاة عندهم، وهي التحيُّز، وبقية (٢) السواد والبياض فيهما غاية الأمر أن الجوهر عند بعضهم يقتضي التحيز بشرط الوجود، لكن الترتُّب في الوجود لا يقتضي الترتُّب في العلم، كما في صفة الحياة والعلم، فيلزمهم أن يشكُّوا بعد هذه المشاهدة في وجودها، وكل مذهب يؤدي إلى هذه التَّمحُّلات - والخصم مع هذا يزيد سفاهةً ولَجَاجَاً فالواجب على العاقل الفطن (٣) الإعراض عنه، والتمسك بقوله تعالى: {وإذا خاطبهُمُ الجاهلُونَ قالوا سَلاماً} [الفرقان: ٦٣]، ومن ذمَّ مِنَ السلف الصالح الكلام والمتكلمين، إنما عنوا أمثال هؤلاء ظاهراً (٤). والله الموفق. انتهى بحروفه (٥).

وإذا كان هذا كلام أئمة الاعتزال بعضهم في بعض، فكيف بكلام (٦) متكلمي أهل السنة فيهم، وإذا كان الجهل (٧) في علم النظر يؤدي إلى هذا، ويكون هذه عاقبته، فكيف يُلام من أعرض عنه وتمسَّك بطريقة السلف الصالح الذين لم يَجْرِ بينهم من نحو هذا كلمةٌ واحدةٌ لبركة (٨) إقبالهم على الكتاب والسنة، وترك الفضول، وترك دعاوى علم ما لا طريق للبشر إلى علمه.

واعلم أن سبب قول البهاشمة بالشكِّ في وجود الله تعالى بعد العلم بكونه


(١) في (ب): لوجوه.
(٢) في (ب) و (ج) و (ش): وهيئة.
(٣) ساقطة من (ش)، وفي (ب): والفطن الصالح.
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) انظر " ترجيح أساليب القرآن " للمصنف ص ٨٧ - ٨٩.
(٦) في (أ): لكلام.
(٧) في (أ) و (ج): الجهد، وفي (ش): " العلم "، وكتب فوقها: " في الأم: الجهل والعلم ".
(٨) في (ش): لتوسعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>