للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرئي سبحانه غير مكيَّفٍ كما ورد في الحديث (١). ولا يلزم تكييف المرئي من تكييف الرؤية، كما لا يلزم تكييف الموجود من تكييف الوجود.

والحاصل أن أهل السنن (٢) والآثار يقطعون بنفي التشبيه والتمثيل، كما قالت المعتزلة والأشعرية، لكنهم يرون أن ما وصف الله تعالى به ذاته الكريمة في كتابه الكريم وبلغه رسوله الكريم، ولم يتأوله، ولم يُحذِّر من اعتقاد ظاهره، ولا كان من أحد من أصحابه مثل ذلك مع طول المدة، فإنه غيرُ مناقض لنفي التشبيه والتمثيل، ولا يجوز في العادات أن تمرَّ المدة الطويلة ولا يُبَين مثل ذلك.

قالوا: وقد اجتمعنا على ردِّ قول الملاحدة الباطنية في نفي الصفات كلها، وعلى رد قولهم: إن مجرد الاشتراك في بعض الأسماء والألفاظ يوجب التشبيه، فإنهم زعموا أن الله تعالى لو كان شيئاً والإنسان شيئاً أو موجوداً والإنسان موجوداً كان ذلك تشبيهاً، فرددنا الجميع ذلك عليهم. ووافقت المعتزلة على ردِّ هذا عليهم (٣)، وأجازت المعتزلة بأجمعهم أن يُوصف كل واحدٍ من الرَّبِّ عزَّ وجلَّ، ومن بعض عباده الحُقراء بأنه موجودٌ، حي، قادرٌ عالمٌ، سميعٌ، بصيرٌ، مريد، مدبِّرٌ، حكيمٌ، مثيبٌ، (٤) معاقبٌ، فاعلٌ، مختارٌ ... إلى غير ذلك من الصفات الحميده، ثم لا يوجب الاشتراك في جميع تلك الصفات تشبيهاً، ولا تمثيلاً، بحيث إنه تعالى تمدَّح في كتابه المبين بانه أرحم الراحمين وأحسن الخالقين، وخير الحافظين، وخير الرازقين، مع جمعه معهم في اللفظ بإجماع المسلمين.

فكيف يجب القطع بوقوع السُّنِيِّ في صريح التشبيه؟ إذا قال: إنه تعالى استوى على عرشه، وعلا فوق خلقه علواً كبيراً (٥)، مع قطعه بنفي التشبيه لاستوائه وعلوّه


(١) سيورد المصنف نقلاً عن ابن القيم أحاديث الرؤية قريباً، وسنستوفي تخريجها هناك إن شاء الله.
(٢) في (ب): السنة.
(٣) جملة: " ووافقت المعتزلة على رد هذا عليهم " ساقطة من (ب).
(٤) تحرفت في الأصول إلى: " مثبت "، والمثبت من (ب).
(٥) في (ب) كثيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>