للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يظهر لك أن أهل السنة لم يختصُّوا (١) بالبَلْكَفَة التي شنَّع بها عليهم بعضُ المعتزلة، بل هي قول جميع المسلمين في ذات الله تعالى، وإنما خالفوا أهل السنة في صفاته تعالى كما مر تحقيقه في الوهم الخامس عشر، وهذا تمام الكلام في الأمر الأول من الأمرين الحليين الَّلذَيْن ادعى أهل السنة معارضَتَهُما لأدلة المتكلمين، وقضوا بأنهما أجلى منهما، وخافوا الكفر في مخالفتها.

وأما الأمر الثاني الذي يعضُدُ هذه الفطرة، فهو تطابقُ جميع هذه الكتب السماوية على ذلك، وكذلك الفِطَرُ (٢) السليمة من شَوبِها بالتقليدات الكلامية.

وبيان ذلك يظهر بوجوه:

الوجه الأول: خلوُّ الكتب السماوية والآثار النبوية من وصف الرب سبحانه بالتعطيل من جميع الجهات مع ورودها بكثير (٣) من المتشابهات، فأما هذا الوصفُ، فتعطَّلت كلها منه لنكارته حتى اتفق أنه ما كَذَبَ أحدٌ من الكذابين في الحديث شيئاً يوافق هذا فيما علمناه إلى الآن، وتواتر في القرآن والسنة وصف الرب سبحانه بما يقتضي بُطلان هذا كما تراه الآن، وكما يعرف بأدنى تأمُّلٍ، ولم يرد القرآن بأنه كُلَّه متشابهٌ، وإنما ورد بأن منه آيات محكماتٍ هُنَّ أم الكتاب وأخر متشابهات. فأرُونا الآيات المحكمات الواردات بهذا التعطيل من الجهات حتى نرُدَّ إليها سائر آيات كتاب الله وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعقول السليمة تُحيلُ خُلُوَّ الكتب السماوية والأحاديث النبوية من النطق بالصواب الذي يُرَدُّ (٤) إليه كثيرٌ من متشابه (٥) الكتاب، وإلى استحالة ذلك أشار قوله بعالى: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: ٤]، ويا


(١) في (أ) و (ج) و (د): " لا يختصوا "، وفي (ش): " لا يختصون ".
(٢) في (ب) و (ش) و (ج): الفطرة.
(٣) في (ب): " تكثير " وهو خطأ.
(٤) ساقطة من (ب).
(٥) في (ش): متشابهات.

<<  <  ج: ص:  >  >>