للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: أن ذلك لو كان هو المقصود، لوجد الصواب ولو مرَّةً واحدة حتى يرد المتشابه إليه كما وعد به التنزيل، فأين آيةٌ واحدةٌ نفت الرحمة على الإطلاق عَنِ الله تعالى، أو نفت أسماءه: العليَّ، الأعلى، المتعالي، وما شاكلها؟

وثانيها (١) لو (٢) كان تأويلها هو المقصود، وكانت مناقضةً لنفي التشبيه، لكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه وتابعوهم أسبق الناس إلى تأويلها كما سبقوا إلى كل خير، وسيأتي بطلان ما كُذِبَ من ذلك على (٣) أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام كما أوضحتُه في " ترجيح أساليب القرآن "، ولو لم يُعارض ما رُوِيَ عنه من مذاهب الباطنية في نفي الصفات إلاَّ بما رواه السيد أبو طالب في " أماليه " بسنده من قوله عليه السلام: فعليك أيُّها السائل بما دلَّك (٤) عليه القرآن من صفته، وتقدَّمك فيه الرُّسل بينك وبين معرفته، فأتَمَّ به، واستضىء بنور هدايته وبكلامه في صفة الرَّاسخين ووصفه لهم بالعجز عن التأويل، كما أسنده عنه السيد أبو طالب، وقرَّره وأرسله صاحب " النهج " (٥)، وهو نصُّ قول أهل السنة.

والعجبُ ممَّن يتسع عقله من العلماء لتصديق أنه -عليه السلام- كان يخطُبُ لمذاهب القرامطة في صدر الإسلام والصحابة متوافرون سكوتٌ لذلك، ولا يهتدي بعقله إلي أنه أتبعُ خلق الله للنبيِّ عليه السلام، وأشبههُم به علماً وبياناً، ووعظاً وخطابةً، وأشدُّ الناس اقتداءً، وأبعدهم عن الابتداع، حتى لقد قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كذا، أما إني أقول نهاني، ولا أقول نهاكم (٦)، فما أبعده عما فَرِحَتْ به القرامطة مما رُوِيَ عنه من شُبَهِ مذاهبهم صانه الله عنها.


(١) في (د): وثانيهما.
(٢) في (ش): أنه لو كان.
(٣) ساقطة من (ب).
(٤) في (د) و (ش): دلَّ.
(٥) " نهج البلاغة " ص ٢١٢ - ٢٣٣، وقد تقدم كلام أمير المؤمنين الخليفة الرابع ص ٣٩٤.
(٦) أخرج الإمام أحمد ١/ ١٣٢ عن علي رضي الله عنه أنه قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا أقول: نهاكم - عن العصفر والتختم بالذهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>