للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أبين الدلالة على جواز رُؤيته تبارك وتعالى، فإنه إذا جاز أن يتجلَّى للجبل الذي هو جمادٌ لا ثواب له ولا عقاب، فكيف يمتنع أن يتجلَّى لأنبيائه ورسله وأوليائه في دار كرامته، ويُريَهم نفسه؟ وأعلم (١) سبحانه أن الجبل إذا لم يثبت (٢) لرؤيته في هذه الدار، فالبشر أضعف.

الوجه السابع: أن ربَّه سبحانه قد كلَّمه منه إليه، وخاطبه وناداه وناجاه، ومن جاز عليه التكلُّم والتكليم، وأن يسمع مخاطِبُه كلامَه معه بغير واسطة، فرؤيته أولى بالجواز، ولهذا لا يتمُّ إنكار الرؤية إلاَّ بإنكار التكليم، وقد جَمَعَتْ هذه الطوائف بين إنكار الأمرين، فأنكروا أن يُكَلم أحداً ويراه أحدٌ، ولهذا سأل موسى النظر إليه لمَّا أسمعه كلامه، وعلم من الله جواز رؤيته من وقوع خطابه (٣) وتكليمه، فلم يخبره باستحالة ذلك عليه، ولكن أراه أن ما سأله لا يقدر على احتماله، كما لم يثبت الجبل لتجلِّيه.

وأما قوله تعالى: {لن تراني} فإنه نزل (٤) على سبب طلب الرؤية في الحال، فكان نفياً لذلك المطلوب، كما صح حكمُ الصحابة بمثل ذلك في مواضع كثيرةٍ يوضحه أنه لا يقبُح أن يقول: فهل أراك في الآخرة؟ ويعارض من لم يقبل بيان السنة بظاهر سورة النجم، فإنه يقضي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرؤية كما صح عن ابن عباس الجزمُ به (٥). فإن رجعوا فيها إلى بيان السنة، وجب الرُّجوع إليه في الموضعين، كما وجب ذلك في جميع شرائع الإسلام الأركان الخمسة وغيرها يأتي بيان السنة بما ليس في القرآن. وأجمعت الأمة على اعتبار الأسباب في بعض المواضع كتفسير: {الذين يفرحُون بمَا أَتَوْا} [آل عمران: ١٨٨] في


(١) في (ب): فأعلم.
(٢) في (ش): أن الجبل لا يثبت.
(٣) " من وقوع خطابه " ساقطة من (ش).
(٤) في (ش): نزل هنا.
(٥) ساقطة من (أ)، وفي (ش). " بذلك "، وقد تقدم تخريج قول ابن عباس ص ٤٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>