للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تعالى لو لم يكن جسماً، لما صح أن يُرى، ونحن نسلِّم لهم أنه تعالى لو كان جسماً، لصحَّ أن يُرى، فالكلام معهم في هذه المسألة لغوٌ، ويمكن أن يُستدل علم هذه المسألة بالعقل والسمع جميعاً، لأن صحة السمع لا تقِفُ عليها، وكلُّ مسألةٍ لا تقف صحة السمع عليها، فالاستدلال عليها بالسمع ممكن، ولهذا جوَّزنا الاستدلال بالسمع على كونه تعالى حيَّاً لما لم تقف صحة السمع عليها. يُبَيِّن ذلك أن أحدنا يمكنه أن يعلم أن للعالم صانعاً حكيماً، وإن لم يخطُر بباله أنه هل يُرى أم لا؟ ولهذا لم نكفِّر (١) من خالفنا في هذه المسألة، لما كان الجهل بأنه تعالى لا يُرى، لا يقتضي جهلاً بذاته ولا شيءٍ من صفاته، ولهذا جوَّزنا في قوله تعالى: {ربِّ أرني أنظُر إليك} أن يكون سؤال موسى عليه السلام، لأن المرئي ليس له (٢) -بكونه مرئياً- حالٌ وصفة، وعلى هذا لم نجهِّلْ شيخنا أبا عليِّ بالأكوان، حيث قال: إنها مُدرَكَةٌ بالبصر.

إذا ثبتت هذه الجملة، فاعلم أنه -رحمه الله- بدأ في الاستدلال على هذه المسألة بقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير} [الأنعام: ١٠٣]، ووجه الدلالة من الآية هو ما قد ثبت أن الإدراك إذا قُرِنَ بالبصر لا يحتمل إلاَّ الرؤية، وثبت (٣) أنه تعالى نفى عن نفسه إدراك البصر، وتمدَّح بذلك تمدُّحاً راجعاً إلى ذاته، وما كان نفيه مدحاً راجعاً إلى ذاته، كان (٤) إثباته نقصاً، والنقائص (٥) غير جائزة على الله تعالى في حال من الأحوال.

فإن قيل: ولِمَ قلتم: إن الإدراك إذا قُرِنَ بالبصر لا يحتمل إلاَّ الرؤية؟ (٦).

قلنا: لأن الرائي ليس له بكونه رائياً حالةٌ زائدةٌ على كونه مدركاً، لأنه لو كان أمراً زائداً عليه، لصحَّ انفصال أحدهما عن الآخر على كونه مدركاً (٧)، إذ


(١) في (د): يكفر.
(٢) ساقطة من (ج).
(٣) في (ج): ولو ثبت.
(٤) عبارة " إلى ذاته كان " ساقطة من (ب).
(٥) في (ب): وإثبات النقائص.
(٦) في غير (ج) و (د): بالرؤية.
(٧) قوله: " على كونه مدركاً " ورد فقط في (أ)، وليس هو في " شرح الأصول الخمسة ".

<<  <  ج: ص:  >  >>