للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢]. وخلقُ الجماد لأجل العلم يستلزم بالضرورة خلق العقلاء لأجل ذلك، فثبت أن الله خلقهم لأجل ذلك، فهذا في حقِّ المؤمنين، وفي خلق جميع المكلفين قوله تعالى في هود: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: ٧]، وكذلك قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢] وتال: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: ٢].

وكذلك رُوِيَ عن ابن عباس أنه قال: إن المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلاَّ ليعرفون، وجعل المعرفة رأس العبادة ومعظمها (١).

وسيأتي تحقيق ذلك وما تحتمله الآية من الوجوه المتفق عليها والمختلف فيها في تفسير هذه الآية في مسألة الإرادة إن شاء الله تعالى.

وأما متكلِّمو الأشعرية، فتُصادِمُ الآية مذهبهم بقوة مفهومها لا نصِّها، فإنهم إن حاولوا تأويلها بلام العاقبة، كقوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨]، وكقول القائل:

لِدُوا للموت وابنُوا للخرابِ (٢)


(١) الثابت عن ابن عباس خلاف هذا، فقد روى الطبري ٢٧/ ١٢ عنه في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: إلاَّ ليقروا بالعبودية طوعاً وكرهاً. وكره السيوطي في " الدر المنثور " ٧/ ٦٢٤ وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، أما التفسير الذي نقله المصنف هنا فقد نسبه البغوي في " تفسيره " ٤/ ٢٣٥، وابن كثير ٧/ ٤٠١ إلى مجاهد.
(٢) صدره:
له مَلَكٌ ينادي كل يوم
وهو منسوب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب في " خزانة البغدادي " ٩/ ٥٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>