للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الفاسق، فيجوِّزون فيه الأمرين، ويكِلُون علمَه إلى عالم الغيب، لأنه سبحانه أجمل ذلك في قوله عز وجل: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨].

ثم إنهم لا يُسَوُّون بين أهل الجنة في مراتبهم، ولا بين أهل النار في دركاتهم، وكذلك جميع أهل الملة الإسلامية بل جميع الملل الإسلامية (١) والكفريَّه لا يساوون بين أهل الفضائل، ولا يُماثِلُون بهم أهل الرَّذائل، وما أحسن قول القائل:

وَلَمْ أرَ أمثال الرِّجال تفاوُتاً ... لدى المَجْدِ حتَّى عُدَّ ألفٌ بواحدِ (٢)

وقال ابن دريد:

والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ ... وواحدٌ كالألفِ إنْ أمرٌ عنى (٣)

وأما القول بأنَّ من آمن بقلبه، وعصى بجوارحه، فهو من أهل النار ضرورة من الدين، فهذا يقتضي أنه كافرٌ ضرورة من الدِّين، لكن لا دليل على ذلك، ولعل الصواب أن كفره معلومٌ بالضرورة من مذهب بعض أهل الكلام. ومن بنى (٤) التكفير على غير قاعدةٍ قطعيةٍ ولو كان كفره معلوماً بالضرورة، لاشترك (٥) العلماء في ذلك، ولوجب أن تكون طريقة معرفته النقل لا العقل، والطريق النقلية المفيدة للضرورة لها شروطٌ:

أحدها: أن يُنقل نصٌّ جليٌّ لله تعالى، أو لرسوله - صلى الله عليه وسلم - غير محتملٍ للتأويل في هذا المعنى مثل قوله: من آمن بقلبه ولم يُطِع، فهو كافرٌ، حكمةُ حكم


(١) قوله: " بل جميع الملل الإسلامية " ساقط من (ب).
(٢) هو للزمخشري. وقد تقدم ١/ ٢٤٥.
(٣) تقدم ١/ ٢٤٥.
(٤) بياض في (ب)، وساقطة من (ش)، وفي (د): يبني.
(٥) في (أ) و (ب): لاشتراك.

<<  <  ج: ص:  >  >>