للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد الله عذاب العصاة، وأراد عدم العفو عنهم قبل الوعيد، وإرادته هذه على تقدير أنه مريدٌ بالتكليف لهم الإحسان إليهم يناقض ذلك، فإن العفو عنهم من غير تقدُّم إرادة الإحسان إليهم أفضل وأرجح، فكيف مع إرادة (١) الإحسان وإرادة المرجوح مرجوحة، والمرجوح وإرادته لا يصح أن يقعا من الحكيم العالم بأنه مرجوحٌ، الغني عنه لولا أن لله تعالى حكمة (٢) بالغة غير ما ذكروه، فتعيينهم لها في ذلك الوجه الضعيف جنايةٌ منهم على حكمة الله تعالى البالغة، وحجته الدامغة، وعلمه الغيوب، وحكمه الذي لا مُعَقِّب له سبحانه وتعالى، وأعظم من هذا (٣) اعتقادُ المعتزلة لوجوب دوام تعذيب العباد على الرب الذي أوجبوا عليه في الابتداء إرادة الأصلح لهم في آخرتهم، فما أبعد ما أوجبوه في الابتداء من مناسبة ما أوجبوه في الانتهاء حتى قطعوا بتقبيح العفو من الرب الغنيِّ الحميد، وقَضَوْا باستحقاقه لو عفا عنهم - الذم واللائمة العظيمة.

ولقد عظُمت غفلتُهم حين أوجبوا في الابتداء ما (٤) هو غيرُ مقصود لنفسه من التكليف بعد خلق العقول، بل مقصودٌ لتمام النعيم في الانتهاء، ثم أوجبوا بطلان المقصود لنفسه في الانتهاء، وهو تمام النعيم، بل أوجبوا ضده وهو العذاب الدائم.

وأبعد من هذا وأفسد قول البغدادية من المعتزلة بوجوب دوام العذاب مُعلِّلين لذلك بأنه الأصلحُ للعباد، وعدم وجوب شيء من الثواب مع أنه أصلح لأهل الجنة.

فإذا ضممت هذه الأقوال إلى ما عُلِمَ بالضرورة من العقلاء من أن المقصود في الأمور هو عواقبها لا سيما العواقب الدائمة، وأن الوسائل والمبادىء


(١) ساقطة من (ش).
(٢) في (أ): أن الله وهو خطأ.
(٣) من قوله: " وعلمه " إلى هنا ساقط من (ش).
(٤) في (ش): بما، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>