للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غير سماع تأويلٍ لها، ولا تحذير جاهلٍ عن اعتقاد ظاهرها، ولا تنبيهٍ على ذلك حتى انقضى عصر النبوة والصحابة، يقضي بالضرورة العادية أنها غير متأولة، وإلى هذا الوجه أشار قوله تعالى: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} [الأحقاف: ٤] ويا لها من حجة قاطعة للمبتدعة لمن تأملها في هذا الموضع، وفي الكلام في الصفات وفي أمثال ذلك، لأنه لا يجوز في العادة أن يمضي الدهر الطويل على إظهار ما يقتضي بظاهره نسبة القبيح إلى الله وسبَّه ونفي حكمته على زعم المعتزلة، وله تأويلٌ حسن، فلا يذكر تأويله ألبتة، وسواءٌ كان ذكره واجباً أو مباحاً، بل العادة تقتضي أنه لو كان حراماً (١) وإليه داعٍ لفعله بعض الناس كما يُعلم ضرورة أنه لا يكون في المستقبل عصرٌ لا يوجد فيه عاصٍ في دار التكليف والابتلاء ما دامت أحوال المكلفين على ما هي عليه، ولا سيما إذا كان الأمر المسكوت عن تأويله من المحارات مثل هذه المشكلة عند المخالف، فإنه يلزمه أن العادة تقضي بالخوض فيها ضرورة، ولذلك كثُر خوضهم في مسألة الأقدار التي مسألة المشيئة إحدى أركانها، وتواتر كثرة سؤالهم عن ذلك لعظم إشكاله، وتواتر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألزمهم العمل والإيمان بالقدر.

وقد ذكرت في هذا فيما يأتي أكثر من مئتي حديث مع ما ذكرت فيه من الآيات الكريمة، وفي جميع تلك الأحاديث لم يُذكر في ذلك تأويل ألبتة.

وقد ذكر الرازي بحثاً طويلاً في اللغات من كتاب " المحصول " (٢) في المنع من إفادة السمع القطع بسبب ما يَعْرضُ في (٣) الألفاظ المفردة ثم في تراكيبها من الاحتمالات التي وردت بها اللغة مثل الاشتراك والمجاز والحذف ونحوها، وذكر أنه لا دليل على عدمها إلاَّ عدم الوِجدان بعد الطلب وأنه دليل ظني، وذكر


(١) في (ش): جواباً.
(٢) ١/ ١/٣٦٣ و٣٦٦ و٥٤٧ و٥٧٣ و٥٧٥ - ٥٧٦. وانظر بحثي الاشتراك والمجاز ص ٣٥٩ فما بعدها.
(٣) في (ش): من.

<<  <  ج: ص:  >  >>