فإن قالوا: إنما لم يفعله الله تعالى طلباً منه لمصلحة المكلَّفِ في الفعلِ مع المشقة، لأنه حينئذ يستحق الثناء والثواب.
قلنا: إن أردتم المشقة مع زوال، الاختيار فباطل، لموافقتكم على بطلانه، ولما تقرَّر عندكم في أن المستحق على الآلام هو العوض دون الثناء والثواب مع ما فيها من المشقة، وإن أردتم المشقة مع الاختيار، فلا برهان بأيديكم على أنها هي المؤثرة في استحقاق الثناء والثواب (١)، لأنهما ثبتا بثبوته، وانتفيا بانتفائه، ولأن التعليل في ذلك وافق المعلوم من أن الله على كل شيءٍ قدير عموماً، وعلى هداية العصاة خصوصاً، فهو الأصل، ومن ادعى خلافه، فعليه الدليل القاطع.
الوجه الرابع: أنه يلزمهم أن يكون الله عز وجل، كالملجأ إلى الخيرات كلها، فلا يستحقُّ الثناء، وهم لا يقولون بذلك.
الشبهة الثانية: قالوا: سلمنا أنه يستحق الثناء بمجرد الاختيار من غير مشقةٍ بدليل استحقاق الربِّ جل وعلا لذلك بمجرد اختياره، لكن لا نُسَلِّمُ استحقاق الثواب إلاَّ مع المشقة، وما ذكرتموه من عدم اعتبار المشقة معارضٌ بدليل أنه يبطُلُ اسم التكليف ببطلان المشقة، لأنه مشتق من الكُلْفَة في اللغة، ولا يسمى ترك الشائع الراوي للمستقذرات تكليفاً، والجواب من وجوهٍ:
الأول: مطالبتهم بالدليل القاطع على ذلك، وقد وصَّى بعض العلماء أن يطالب المبتدع بالدليل ولا يُحْتَجَّ عليه، فإن القدح في شبهته ولو بمجرد المنع من صحته حتى يستبين أسهل وأوضح من رد تشكيكه في دليل أهل الحق، وذلك لأن الخراب أسهل من العمارة، ولأن من وصايا المبطلين التمسك بالجحد الصِّرْف في خصومات الدين، كما ذلك دأبُهم في خصومات الدنيا،
(١) في (ش): وإن أردتم استحقاق [الثناء] والثواب، لأنها قد وجدت غير مؤثرة فيهما، وذلك في الآلام، ومثل ذلك يقدح في قياس الفروع الظنية، فكيف الأدلة القطعية والظاهرة مع أهل السنة في أن المختار هو عليه الثناء والثواب.