للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن امتثال أوامر المحسن لأجل إحسانه يُسمى شكراً، إما في الحقيقة الوضعية، أو في الحقيقة العرفية، أو فيهما معاً، وأما الكلام في كل فرد من أفراد التكليف وما الوجه في تسميته شكراً، فلا داعي إلى التطويل بذكره هنا، لأن هذا عارض، ولا حاجة إلى تكلُّفه هنا مع الاعتراف بحكمة الله تعالى، وأنه يعلم ما لا نعلم، ومن أدقِّه الكلام في أفعال الحج (١)، وقد تكلم فيه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في شرح " العمدة "، وقد أفردت الكلام على هذه المسألة، وفيها مباحث سهلة.

الثاني: إنها من أسباب معرفة الله والإيمان به، لقوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: ٩٧]، وقوله تعالى بعد ذكر حكم الظهار في المجادلة: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [المجادلة: ٤].

ويُؤيِّدُ هذا من العمومات مثل قوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: ٦٤] ونحوها {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: ٨٩] ففي ظاهرها (٢) ما يدل على أن العلم بالحق هو المقصود الأكبر بجميع ما اشتمل عليه الكتاب من الأوامر والنواهي وغيرهما كما دلَّ على ذلك ما تقدم بالنصوصية الخاصة.

ويؤيد هذا أن الله تعالى قد علَّل وجود العالم في الابتداء والبعث في الانتهاء بكونه وسيلةً إلى العلم به سبحانه، أما في الابتداء فقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ


(١) في (ش): أنواع.
(٢) في (ش): ظاهرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>