وقال " السَّيِّدُ " في تفسيره لها: وليس معنى الوُسع: بذل المجهودِ، وأقصى الطاقةِ، والمعنى: أنَّ الذي كلَّفناهم سهْلٌ مُتَيَسِّرٌ، فلا عُذرَ لهم في تركه، وأن لا يكتسبوا به أبلغَ ما يكونُ من الخيرات، انتهى بحروفه. وهو في الردِّ عليه كافٍ شافٍ، ولكنْ عند ذوي الإنصافِ.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بُعثْتُ بالحنيفية السَّمحة "(١)، " والسَّيِّد " -أيَّدَهُ الله- مُقِرٌّ بأنَّ الله تعالى يريدُ منا اليُسرَ ولا يريد منا العُسْرَ، وَمُقِرٌّ أنه مريدٌ منا الاجتهاد. فقولُهُ: إنه مُتَعسِّرٌ، يُفيد أن الله يريدُ مِنَّا التَّعَسُّرَ، بل لم يقنع -أيَّدهُ الله- بقوله: إنه متعسِّر؛ حتى قال: إنَّهُ مُتعسِّر أو مُتَعَذِّر.
فاستلزمَ أن اللهَ -تعالى- يريدُ المتعسِّرَ والمتعذِّرَ. فإن أرَادَ -أيَّدَهُ اللهُ- في ذلك مشقةً، فمجردُ المشقةِ لا تُسَمَّى عُسراً في العُرف العرَبي، فإنَّ المشقةَ مُلازِمَةٌ لأكثرِ الأعمال الدنيويةِ والأُخرويةِ، وقد يَشُقُّ على الإنسان قيامُهُ من مجلسه إلى بيته، وخروجُهُ من بيتِهِ لقضاءِ حاجتِهِ. والعُسْرُ في عُرْف اللِّسان العربي يُستعملُ في الأمورِ العِظام، لا في كل أمر فيه مشقةٌ؛ فإذا قيل: فلانٌ في عُسْر؛ أفادَ أنَّهُ في شِدَّةٍ عظيمةٍ مِن مرَضٍ أو خوفٍ أو فَقرٍ شديدٍ، أو غَيْر ذلك. وقد يُطلَقُ على ما هو دونَ ذلك -مع القرينة- فأما إذا تجرُّد الكلامُ عن القرينة وقيل: إن فلاناً في عُسْرٍ، وأريدَ العُسْرُ المعروفُ السابق إلى الأفْهَام، لم يَسْبِق إلى الفهم أن معنى قولنا: فلانٌ في عسْر؛ أنَّهُ في قراءةٍ دارَّةٍ، ورغبةٍ في العلمِ عظيمةٍ، ومطالعةٍ للكتُب، وتعليقٍ للفوائدِ، ولا أحدَ يسمِّي هذا عُسْراً.