وليس هذا الجواب من التأويل المخالف للظاهر، بل فيه بيان ما رجع إليه اسم الإشارة بالحجة كفعل الخصم بغير حجة.
وغاية الأمر أن هذه الآية الكريمة كآية المنافقين سواء، حيث احتجوا بالحق على الباطل، وسيأتي تمام الكلام على هذا مستوفى في جواب الآية الثالثة، فتأمَّلْهُ هنالك، فإنه مفيدٌ جداً، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وليس مع المعتزلة شُبهةٌ إلاَّ كون المشركين احتجوا بذلك، وليس يلزم في كل ما نطق به المشركون أنه باطل، وإن ظنوا أنه حجةٌ لهم، فما زالوا يحتجون بالحق على الباطل، وذلك كثيرٌ في كتاب الله ولا فرق بين قولهم:{لو شاءَ الله ما أَشْركْنا}[الأنعام: ١٤٨] وبين قولهم: {لو شَاءَ رَبُّنا لأنْزَلَ مَلائِكَةً}[فصلت: ١٤]، وقولهم:{أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ الله أطْعَمَه}[يس: ٤٧] من قبيل قول الخوارج (١): لا حكم إلاَّ لله، والجواب عليهم من قبيل قول علي رضي الله عنه: كلمة حق يراد بها باطل.
وقد جمع الله سبحانه تمسُّكهم بهذه الشبهة وتمسكهم بنظيرها من مقدورات الله الممتنعة بالحكمة في آيةٍ واحدة يساوي فيها بين الشبهتين، ولله الحمد، وذلك قوله تعالى في الزمر: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: ٥٧ - ٥٨].
ألا تراه قد أجاب عن كل واحدة من هاتين الشبهتين في كتابه الكريم، فقال في جواب الأولى:{قُلْ فلِلهِ الحُجَّةُ البالغةُ فلَوْ شاءَ لَهَدَاكُم أجْمَعينَ}