للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العظيم، وهذا بناءً منهم على جواز تعارض العلم والإرادة، وقد تقدم منعه وضعف كلامهم فيه عقلاً وسمعاً، ولكنا لا نختار إطلاق إرادة الله لذلك، لعدم ورود النص المعلوم به (١)، بل نجوِّزه عقلاً ولا نجوِّزُهُ عقلاً (٢)، ولا نرُدُّ ما ورد به من نصوص الآحاد، ونقتصر على أن الله لو شاء لهدى الناس جميعاً.

على أنه قد تقدم أن الأشعريَّة تمنع من تعلق إرادة الله بأفعال العباد كلها إلا بنوع تأويلٍ كما يأتي الآن، ثم تُعارِضُ عمومات المعتزلة هنا بمثلها، وبما هو أخصُّ منها.

وجواب أهل السنة في هذا عن الآيات أنها وردت في الإضلال لا في الابتلاء والامتحان، وبينهما فرقٌ واضح، لأنه قال: {وما يُضِلُّ به إلاَّ الفاسقين} [البقرة: ٢٦] ولم يقل: إنه لا يبتلي إلاَّ الفاسقين، فإن الإضلال والإزاغة والمكر لا يُسمى بذلك حتى يكون عقوبةً مستحقَّةً، والابتلاء والامتحان يحسُنان من غير تقدُّم ذنب.

وأما قوله تعالى: {فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها} [الروم: ٣٠] وحديث أبي هريرة " كل مولودٍ يولد على الفطرة " فالحق أنهما على ظاهرهما، وأن ذلك صحيح على قواعد أهل السنة كما صرَّح به ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية في الكلام على دوام النار في " حادي الأرواح " (٣).

وتقرير ذلك: أن قواعد أهل السنة -كما صرح به ابن تيمية (٤) - إنما تقتضي وقوع مراد الله كما أراد، وعدم تعجيزه عن شيءٍ من الأشياء كما أوضحته، وإنما أوهم المخالفة قول بعض أهل السنة: إن حديث أبي هريرة ظاهر في أحكام


(١) ساقطة من (أ).
(٢) " ولا يجوز عقلاً " لم ترد في (ش).
(٣) ص ٢٥٨ - ٢٥٩.
(٤) قوله: " كما صرح به ابن تيمية " ساقط من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>