للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التكوير: ٢٩] وليست منه، لأنَّ أوَّلها {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أنْ يَستقيم} [التكوير: ٢٨] فهي في الإرادة المتعلقة بالطاعات، وهذه وأمثالها لا حجة فيها لما ذكرته، ولأن النصوص فيها وفي أمثالها أنه تعالى لم يُرِدْ هدايتهم، لا أنه أراد ضلالهم، ولا أراد ابتلاءهم بالمعاصي، وبينهما فرق بيِّنٌ، وهذا لطيفٌ قَلَّ من يَتنبَّهُ له، ولكن سيأتي الآن أن هذه حال التخلية بين العبد وبين نفسه، وأنها تَؤُول بالعبد إلى الضلال، والحجة لهم فيها ما تقدم من دليل العقل القاطع عندهم ومن الظواهر.

وأما القطع بتحريم تأويلها، بل بأنها على ظاهرها، فذلك لتواتر اشتهارها في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، والعلم بتقريرهم لها على ظاهرها، والعادة الضرورية تمنع من عدم ذكر التأويل الحق من جميعهم في جميع تلك الأعصار لو كان هناك تأويلٌ كما مرَّ بيانه.

ثم يتقوَّى أهل السنة بعد ذلك كله بالأحاديث الواردة في ذلك لأهل البحث، وذلك في مرتبة الكلام في القدر، لكنها عامةٌ لا نصوص، لكن عمومها يَعتضِدُ بعدم تأويله كما قلنا في الظواهر سواء.

ويمكنُ توجيهُ ذلك على نظر أهل المعقول بأنه كخلق الخلق على الفطرة أولاً نعمةً (١) ورحمةً لأوليائه، ونعمةً وحُجة على من غيَّرها من أعدائه كما خلقهم لذلك في الخلق الأول في عالم الذَّرِّ كما يأتي في الوهم الثلاثين في تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: ٨٣] ثم قدَّر الذنب في الابتداء ليغفر، ولو بتأخير العقوبة فيما لا يغفرُ، وللمِنَّة في إمهال راكبه، ثم لإقامة الحجة عليه، وعلى حلم الله وصفحه عنه حتى يستحق العقوبة بالإصرار، ثم يُقَدِّر الذنب بعد ذلك عقوبةً، ثم يُسَمَّى (٢) إضلالاً ومكراً وإزاغةً لأقلِّ ذلك.


(١) في (ش): بأنه خلق الخلق على الفطرة ونعمة.
(٢) " ثم يسمى " ساقط من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>