للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرِدْ نَصٌّ يكفر مُنكِرَ دوامِه كما وردت النصوص بكفر منكر القيامة والجنة.

وأما مسألة دوام العذاب -نعوذ بالله ورحمته السابقة الواسعة الغالبة منه- فليس مما أجمع عليه أهلُ الإسلام، ولا عُلِمَ بالضرورة من الدين لما يأتي من اختلاف المسلمين فيه لورود الاستثناء من الخلود في غير آيةٍ من كتاب الله تعالى، ولما في ذلك من الآثار عن جماعه جِلَّةٍ من الصحابة ومُفَسِّري كتاب الله تعالى من أئمة الأثر وحُفَّاظ السنن.

ومما يدلُّ على أن المراد الأول هو الخير، وأن جميع ما يوجد من الشرور غير مقصودة لكونها شُروراً، وجوهٌ غير ما تقدم.

منها: الأحاديثُ الصحيحة الشهيرة التي فيها " لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يُذنبون فيستغفرون الله فيُغفرُ لهم " لفظ حديث أبي هريرة.

ولفظ حديث أبي أيوب الأنصاري " لو أنكم لم يكن لكم ذنوبٌ يغفرُها الله، لجاء بقومٍ لهم ذنوب يَغْفِرُها لهم " خرَّجهما مسلمٌ وغيره. ولهما طرقٌ وشواهد تقدم ذكرها مجوّداً في الإرادة (١).

ومنها: ما ورد في كتاب الله تعالى من ترك أمور نافعة لكونها مفاسدَ مثل بسط الرزق، قال الله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ الله الرِّزْقَ لعبادِه لَبَغَوْا في الأرض} [الشورى: ٢٧]، وقال سبحانه: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} الآية [الزخرف: ٣٣].

وعكس ذلك نص القرآن الكريم على الأمرِ بأمور ضارة لكونها منافع، مثل


= السبكي المتوفى سنة (٧٥٦) هـ، و" رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار " لمحمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة (١١٨٢) هـ وكلاهما مطبوع.
(١) تقدم تخريجه في ٤/ ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>