للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: ١١٨ - ١١٩].

ومثل آخرها: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} الآية [السجدة: ١٣] والإشارة بذلك إلى الاختلاف بدليل أول الآية وآخرها وسائر نصوص كتاب (١) الله البينة.

وقال الله تعالى: {ولَوْ شَاءَ الله لَجَمَعَهُم على الهُدى} [الأنعام: ٣٥]، وقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: ٩٩]، وقوله: {ولا يزالُونَ مُختلفين} [هود: ١١٨]، ولأن وقوعه هو المعلوم ضرورةً.

وقد ثبت أن ما أراده الله وقع، وقد جوَّزه الإمام المنصور بالله عليه السلام في " المجموع المنصوري "، وذكر فيه وجهاً لطيفاً، وهو أن يكون المراد: خلق أولياءه لمخالفة أعدائه، وشرط في صحة هذا أن تكون " إلاَّ " بمعنى (٢) الواو.

ويُقوِّي الوجه اللطيف الذي ذكره ما ذكرتُه في هذا الكتاب في مرتبة الدواعي في تفسير قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُم أيُّكم أحسنُ عملاً} [الملك: ٢]، وكذا ذكر الزمخشري في " كشَّافه " (٣): إشارة إلى ما دل عليه السلام الأول وتضمنه، يعني: ولذلك التمكين والاختيار الذي كان فيه الاختلاف خلقهم ليُثيب مختار الحق بحُسْنِ اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره. انتهى.

وقد ألمَّ هذا الموضع بمذهب الأشعرية في صرف إرادة الله المتعلقة بأفعال العباد إلى (٤) تعليقها بأفعال الله تعالى على ما مر تقريره في مسألة الإرادة.

وفي قوله تعالى: {وتمَّتْ كلمةُ ربِّكَ لأَمْلأنَّ} [هود: ١١٩] لقوله في غيرها: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} [السجدة: ١٣] دليلٌ واضح


(١) ساقطة من (أ).
(٢) في (أ): معنى.
(٣) ٢/ ٢٩٨ - ٢٩٩.
(٤) في (أ): التي.

<<  <  ج: ص:  >  >>