للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدلَّ هذا على شُهرة هذا المعنى.

الوجه الخامس: أنه قد ثَبَتَ بناء اسم الفاعل لما هو في الحقيقة مفعولٌ، كقوله تعالى: {والنَّهارَ مُبْصِراً} [يونس: ٦٧]، وقوله تعالى: {في عِيشةٍ رَاضيةٍ} [الحاقة: ٢١] ومنه قولهم: سَيْلٌ مُفْعَمٌ على اسم المفعول، وشعرٌ شاعرٌ، ونهاره صائمٌ أي: مصومٌ فيه، ونهرٌ جارٍ [أي] مجري فيه، لأن النهر اسمٌ لساقيه الماء (١). وسيأتي ذلك.

ونصَّ علماء المعاني على أن المجوِّز لذلك هو الملابسة، فإن النسبة أولى بمخالفة بعضه القياس، ومما يُشبه هذا قولهم: القَمران والعُمران.

وقد ذكر ابن قتيبة في " مُشكل القرآن " (٢) باباً في المقلوب ومنه قولهم: للدَّيِغ: سليم، وللعطشان: ناهِلٌ، وللفَلاة: مفازَةٌ، وللشمس: جَوْنة، وللغراب: أعور، وللحبشي: أبو البيضاء، وللأبيض: أبو الجَوْن.

قال: ومنه قول قوم شعيب: {إنَّكَ لأنْتَ الحَليمُ الرَّشيدُ} [هود: ٨٧]، [كما] تقول للرجل تستجهلُه: يا عاقل، وتستخفُّه: يا حليم، وأنشدوا قول الشاعر:

فقلتُ لِسيِّدِنا يا حليـ ... ـمُ إنَّك لم تأسُ أسْوَاً رفيقاً (٣)


(١) انظر " الصاحبي " لأحمد بن فارس ص ٣٦٦ - ٣٦٨.
(٢) ص ١٨٥ فما بعدها. وانظر " الأضداد " لابن الأنباري ص ٢٥٨.
(٣) هو لشُتيم بن خويلد أحد بني غراب بن فزارة وهو شاعر جاهلي. أنشده الجاحظ في " الحيوان " ٣/ ٨٢ وفي " البيان والتبيين " ١/ ١٨١ - ١٨٢، وابن الأنباري في " الأضداد " ص ٢٥٨، وأورده صاحب " اللسان " (خفق)، وفيه " حكيم " بدل " حليم ". وبعده
أعَنْتَ عدِيّاً على شَأْوِها ... تُعادي فريقاً وتنفي فريقا
أطعتَ اليمينَ عِنادَ الشَّمالِ ... تُنحّي بحَدِّ المواسي الحُلُوقا
زَحَرْتَ بها ليلةً كُلَّها ... فجئتَ بها مُؤيداً خَنْفَقِيقا =

<<  <  ج: ص:  >  >>